قال الله تعالى:{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك} ما هو الشىء الذى حرمه الرسول على نفسه، وكيف يخلف أمر الله فيحرم ما أحله الله له؟
الجواب
أصح ما ورد فى سبب نزول هذه الآية من أول سورة التحريم كما رواه مسلم، أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلا عند بعض نسائه - زينب بنت جحش أو حفصة بنت عمر-وكان يمكث عندها طويلا، فدبت الغيرة فى قلب بعض زوجاته، وهن بشر، كن يتمنين أن يمكث عندهن كما يمكث هناك، لأن من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يطوف عليهن جميعا كل يوم، يسأل عنهن ويقضى حاجاتهن، ثم يبيت عند صاحبة النوبة، فقال بعض الزوجات: إذا وصل النبى إلينا نقول له: إن فى فمك رائحة كريهة وهو يكره الرائحة الكريهة فقلن له ذلك، وذكر أنه من الطعام الذى أكله، فقال "أكلت عسلا" فقلن: لعل نحله قد جنت العُزفُط، يعنى امتص زهر شجر العرفط وهو ذو رائحة كريهة.
ومن هنا حلف الرسول ألا يأكله مرة أخرى، وبالفعل عندما زار من عندها عسل رفض أن يأكل منه، وقد أطلع الله نبيه على ما فعلته أزواجه، - زوجاته - وبيَّن له المخرج من يمينه، وهو كفارة بعتق رقبة أو أطعام عشر مساكين أو كسوتهم على ما جاء في سورة المائدة.
وقد نزلت هذه الآية عتابا رقيقا من الله لنبيه فى أنه كان فى الذروة من حسن معاشرة أزواجه، لدرجة أنه امتنع عما أحله الله له لإدخال السرور على قلوبهن وبين له أن سمو الخلق لا يصل إلى الدرجة التي يتعب فيها نفسه ويحرمها من الحلال الطيب الذى يحبه، فالامتناع عن أكل شىء إرضاء لمن يحبه ليس تحريما شرعيا لشيء أحله الله وليس معصية، بل هو تصرف شخص فى معاملة أزواجه، كما امتنع عن أكل الثوم والبصل وهما مباحان، لأن وضعه من لقاء الملائكة وغيره ليس كوضع سائر الناس، وقد امتنع من قبله سيدنا يعقوب عن لحوم الإبل وألبانها لأمر يخصه، ولم يعاتبه الله على ذلك كما قال سبحانه {كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة} آل عمران: ٩٣.
والسبب المذكور لنزول الآية أصح من رواية الدارقطنى أنه امتنع عن مارية إرضاء لحفصة عندما اختلى بها فى بيتها "راجع تفسير القرطبى لهذه الآية"