١ - إذا اقتضت عبارة الواقف أن للناظر أو لأحد الذرية حق إخراج غيره منها، فليس له أن يحرم غيره ويعطى نفسه.
٢ - لا يحمل كلام الواقف على تحكيم هوى أحد من الموقوف عليهم فى الباقين.
يتصرف فيهم بمشيئته دون مراعاة مصلحتهم فيما اختصهم به الواقف فى وقفه
السؤال
من حضرة قاضى محكمة مصر الشرعية بإفادة مؤرخة فى ٢ من ذى الحجة سنة ١٣١٧ هجرية رقم ٣٩٥ مضمونها أنه مقدم له إشهاد من الست بهية هانم كريمة المرحوم على باشا برهان بأنها ناظرة على وقف جدها المرحوم عثمان أفندى برهان المعين بكتاب وقفه الصادر من محكمة مصر الشرعية بتاريخ ١٩ صفر سنة ١٢٣٣ هجرية وأن الواقف شرط فى وقفه هذا شروطا منها الإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان والزيادة والنقصان والتغيير والتبديل والإسقاط لنفسه ولأولاده وذريته ونسله وعقبه بحسب ترتيب طبقاتهم، وأنها ترغب حرمان كل مستحق من الموقوف عليهم ما عدا شخصها لتتصرف فى ذلك بحسب ما تراه، وتطلب تعيين من يلزم لتحرير إشهاد شرعى بذلك، وأرسلت كتاب الإيقاف وصورة إعلام سبق صدوره من هذه المحكمة فى ٩ ربيع أول سنة ١٣١٣ هجرية مبين به أسماء المستحقين ومقدار ما يستحقه كل منهم وها هى الأوراق المذكورة عدد ٣ مرسلة مع هذا بأمل الاطلاع عليها وإعادتها بالإفادة عما يقتضيه المنهج الشرعى فيما هو مرغوب
الجواب
اطلعت على رقيم سماحتكم المؤرخ بيوم تاريخه وعلى ما معه من الأوراق فوجدته يختص بطلب الست بهية هانم كريمة المرحوم على برهان باشا إخراج من عدها من المستحقين فى وقف جدها المرحوم عثمان أفندى برهان المؤرخ فى ١٩ صفر سنة ١٣٢٣ هجرية على حسب شرطه الذى نص فيه على أنه له مدة حياته ولأولاده وذريته ونسله وعقبه بحسب ترتيب طبقاتهم، وقد طلبتم سماحتكم فى ذلك الرقيم بيان ما يقتضيه المنهج الشرعى فى طلبها ذلك، وحيث ان نص عبارة الواقف فى الحجة الشرعية المؤرخة بالتاريخ المذكور هو (وشرط الواقف لنفسه مدة حياته ولأولاده وذريته ونسله وعقبه بحسب ترتيب طبقاتهم فى وقفه هذا الإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان والشروط المعروفة لمن شاءوا متى شاءوا مدة حياة كل منهم، وليس لأحد من بعدهم فعل شىء من ذلك) وظاهر هذه العبارة كما يشعر به قوله مدة حياة كل منهم يفيد أن لكل واحد منهم مدة حياته أن يخرج من يساء متى يشاء على حسب ترتيب الطبقات فلو أن أربعة أو أربعين منهم كانوا فى طبقة واحدة كان لكل منهم أن يخرج الآخرين سواء كانوا معه فى طبقته أو فيما هو أدنى منها، غير أن هذا الظاهر لا تمكن إرادته بالضرورة وإلا لصح لكل ممن فى طبقة واحدة أن يخرج الآخر فإما أن يخرجوا جميعا من الوقف أو لا يخرج منهم أحد أو يكون النافذ هو إخراج من سبق منهم، ولا يخفى فساد هذا المعنى على أحد، فلا يصح أن يكون الواقف أراده.
وبهذا تبين أن ظاهر نصه غير مراد بالبداهة فيكون الواقف قد تجوز فى كلامه أو جرى على ما هو متعارف بين الناس فى إلقاء مثل هذه العبارات على ما فيها اعتمادا على ما يفهمه أهل عرفه وعلى كلا الحالين أنه أراد بوقفه إصلاح شأن ذريته لا إفساده تعين أنه أراد بشرطه ذلك أن تلك الشروط هى فى ذريته يمكنهم العمل بها فى غيرهم من الموقوف عليهم من بعدهم ويؤيده قوله وليس لأحد من بعدهم فعل شىء من ذلك أما من بعدهم فلا تكون لهم هذه الشروط، وفرض ذلك فى وقفه لدفع ضرر من يخرج عن الطريق القويم من عتقاه، وهذا مما لا يرتاب فيه من له أدنى إلمام بمقاصد الواقفين، ثم العرف شاهد بذلك أيضا كما هو معروف لكل مصرى له خبرة بمرامى كلام العاقدين فى مثل واقعتنا، وعلى هذا فليس لأحد من الموقوف عليهم أن يخرج أحدا من ذرية الواقف فى هذه الواقعة وربما صح ذلك فى واقعة يصرح الواقف فيها بمقصده على وجه لا يتطرق إليه التناقض ولا يعرض له الاحتمال، ثم قد جاء فى الإسعاف فى فصل التخصيص والحرمان ما نصه (ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة على أن للقيم أن يعطى غلتها لمن شاء من الناس جاز له والوقف ومشيئته بحالهما لأن الإعطاء يستلزم معطى له والإنسان لا يعطى نفسه) ومن هذا يثبت أنه لو فرض أن عبارة واقف تفهم أن للناظر أو لحد الذرية أو جماعة منهم حق إخراج غيره منها فليس له ذلك على أن يحرم غيره ويعطى نفسه كما هو الشأن فى واقعتنا بل يكون ذلك عند رعاية مصلحة الموقوف عليهم ولا شىء من رعاية المصلحة فى هذه الواقعة كما هو ظاهر.
وعلى كل حال فلا يمكن أن يحمل كلام واقف على تحكيم هوى أحد من الموقوف عليهم فى الباقين يتصرف فيهم بمشيئته دون أن يرعى مصلحتهم فيما اختصهم به الواقف من وقفه لإصلاح حالهم فى معاشهم.