[تعليم العلم لغير أهله]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تعلموا أولاد السفلة العلم فإن علمتموهم فلا تولوهم القضاء والولاية"؟
الجواب
من المعلوم أن الإسلام أمر بالعلم وكرَّم أهله، بنصوص كثيرة فى القران والسنة، وقد وضح ذلك ابن القيم فى كتابه " مفتاح دار السعادة" وتحدث العلماء عن فضل نشر العلم وتعليمه والأسلوب الذى يناسب ذلك، ومنها مخاطبة الناس على لدر عقولهم، واختيار الذين يتلقون العلم حتى يصونوه بحسن التلقى وبالعمل به وبنشره.
ومما جاء فى ذلك حديث " نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم " رواه أبو الحسن التميمى فى كتاب العقل له بإسناده عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم، وخرَّجه الحافظ الضياء عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم. وقال البخارى قال على رضى الله عنه:
حدَّثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ ونقل السفارينى فى كتابه " غذاء الألباب "ج ١ ص ٤٤ عن كتاب الآداب الكبرى أن شعبة قال: أتانى الأعمش وأنا أحدث قوما، فقال:
ويحك، تعلق اللؤلؤ فى أعناق الخنازير؟ قال مهنَّا للإمام أحمد رضى الله عنه: ما معنى قوله؟ قال: لا ينبغى أن يحدث من لا يستأهل، وقال عيسى ابن مريم عليه السلام: للحكمة أهل، فإن وضعتها فى غير أهلها ضيعت، وإن منعتها من أهلها ضيعت وقال عليه السلام: لا تطرح اللؤلؤ إلى الخنزير، فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئا، ولا تعط الحكمة من لا يريدها، فإن الحكمة خير من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنزير. وقال مالك: ذُلُّ وإهانة للعلم أن تتكلم به عند من يضيعه، ومن كلام الإمام الشافعى رضى الله عنه:
أأنثردرا بين سارحة النَّعم * أأنظم منثور الراعية الغنم إلى أن قال:
فمن منح الجهال علما أضاعه * ومن منع المستوجبين فقد ظلم فالعلم كالسيف إن أعطيته لتقىٍّ قاتل به فى سبيل الله، وإن ألقيته لشقى قطع به الطريق وأضل عباد الله، وهذا مستثنى من عموم قوله صلى الله عليه وسلم " من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" رواه أصحاب السنن إلا النسائى، ورواه ابن حبان فى صحيحه والبيهقى.
وفى الصحيحين أن ابن عباس رضى الله عنهما قال لعمر بن الخطاب رضى الله عنه: إن الموسم يجمع الرعاع والغوغاء، فأمهل حتى تقدم المدينة فتخلص بأهل الفقه، فقدمنا المدينة، فقبل عمر مشورة ابن عباس فلم يتكلم بذلك حتى قدم المدينة. قال الإمام ابن الجوزى: وفى هذا تنبيه على ألا يودع العلم عند غير أهله، ولا يحدث لقليل الفهم ما لا يحتمله فهمه، والرعاع السفلة، والغوغاء نحو ذلك، واصل الغوغاء صغار الجراد.
وسأل ابن المبارك سفيان الثورى بمكة عن الغوغاء فقال: الذين يكتبون الأحاديث يريدون أن يتأكلوا أموال الناس، وسأله عن السفلة فقال: الظلمة.
وجاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج ١ ص ٤٩" مثل هذا الكلام، وذكر قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما} النساء:٥ وقال إن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى من حفظ المال، وليس الظلم فى إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم فى منع المستحق، وذكر الشعر السابق المنسوب إلى الإمام الشافعى. وذكر فى ص ١١ قول عكرمة: إن لهذا العلم ثمنا، قيل: وما هو؟ قال: أن تضعه فيمن يحسن حمله ولايضيعه.
وجاء فى كتاب أدب الدنيا والدين للماوردى " ص ٧٣ " أنه روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تمنعوا العلم أهله فتظلموا، ولا تضعوه فى غير أهله فتأثموا" ولم يخرج هذا الحديث كما جاء فيه حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم " واضع العلم فى غير أهله كمقلد الخنازير اللؤلؤ والجوهر والذهب " ولم يخرِّجه أيضا.
ثم جاءت أخبار تحذر من تعلم العلم لغير وجه الله منها " لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولتماروا به السفهاء ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو فى النار" وهو حديث رواه ابن ماجه بسند صحيح، ولا شك أن السفلة هم الذين يتعلمون من أجل ذلك.
من هذا نرى أن الحديث المسئول عنه لم يرد بنصه بطريق صحيح، لكن معناه ورد فى أحاديث وأقوال أخرى، وهو معنى صحيح.
هذا، وقد جاء فى تفسير القرطبى " ج ٩ ص ٢٣ " أن السفلة فى تعيينهم أقوال، فقيل هم الذين يتفلَّسون ويأتون أبواب القضاء والسلاطين يطلبون الشهادات، مأخوذ من التفليس وهو استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو. وقيل: هم الذين يأكلون الدنيا بدينهم، وقيل: هم الذين يزاولون أعمالا حقيرة كالحياكة والحجامة والدباغة والكنس، وبخاصة إذا كانوا من غير العرب.
لكن للعرف رأى فى إطلاق هذا الاسم على بعض الناس