[القنوت]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل القنوت فى الصلاة مشروع، وإذا كان مشروعا فهل هو فى كل الصلوات، وهل له صيغة محدودة؟
الجواب
القنوت وهو الدعاء مشروع في الصلوات الخمس عند النوازل، لحديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما: قنت الرسول صلى الله عليه وسلم فى الصلوات الخمس مدة شهر، يدعو على حى من بنى سليم: رعل وذكوان وعصية، لأنهم قتلوا بعض الصحابة الذى أرسلهم ليعلموهم.
رواه أبو داود وأحمد، كما روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع. وجاء فيه: قال: يجهر بذلك ويقول فى بعض صلاته وفى صلاة الفجر "اللهم العن فلانا وفلانا " حيبن من أحياء العرب، حتى أنزل الله تعالى {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} آل عمران: ١٢٨.
والقنوت فى الصبح على هذا مشروع عند النوازل كبقية الصلوات، أما فى غير النوازل فللفقهاء فيه أقوال خلاصتها.
قال الحنفية والحنابلة بعدم مشروعيته، مستدلين بما رواه ابن حبان وابن خزيمة وصححه عن أنس:: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت فى صلاة الصبح إلا إذا دعا لقوم أو دعا عليهم.
وقال المالكية والشافعية بمشروعيته. ودليلهم ما رواه الجماعة إلا الترمذى أن أنس بن مالك سثل هل قنت النبي صلى الله عليه وسلم فى صلاة الصبح؟ فقال: نعم، ورواه أحمد والبزار والدارقطنى والبيهقى والحاكم وصححه عن أنس قال: ما زال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقنت فى الفجر حتى فارق الدنيا.
ومناقشة هذه الأدلة وبيان الأرجح من الأقوال يمكن الرجوع إليه فى كتاب "زاد المعاد لابن القيم " الذى بين فى سرده للروايات أن أهل الحديث توسطوا بين من ينكرون القنوت مطلقا حتى فى النوازل وبين من يستحسنونه مطلقا عند النوازل وغيرها، فهم لا ينكرون على من داوم عليه ولا يكرهونه فعله، ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفا للسنة،كما لا ينكرون على من أنكره عند النوازل ولا يرون تركه بدعة ولا تاركه مخالفا للسنة، بل من قنت فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن، وهذا من الاختلاف المباح الذى لا يعنف فيه من فعله ولا من تركه، وذلك كرفع اليدين في الصلاة وتركه. وأنا أقول: إن الخلاف بسيط، وهو فى سنة وليس فى فرض، والدين يسر.
هذا وقد روى أحمد وأصحاب السنن عن أبى مالك الأشجعى أنه قال عن قنوت الفجر إنه بدعة، لأنه صلى خلف النبي وأبى بكر وعمر وعلى فلم يرهم يقنتون، كما روى الدارقطنى أن ابن عباس كان يقول: إن القنوت فى صلاة الفجر بدعة. ويمكن الجمع بين روايات الإثبات وروايات النفى بأن هؤلاء المروى عنهم كانوا يقنتون أحيانا ولا يقنتون أحيانا أخرى، لأنه سنة وليس بفرض ولا واجب، والمثبت مقدم على النافى كما هو معلوم، وإذا كان بعض الصحابة لم يقنت لأنه لم يره من النبى صلى الله عليه وسلم فإن عدم الرؤية لا يدل على النفى المطلق، وقد ذكر ابن حزم أن ابن مسعود الذى كان لا يقنت خفى عليه وضع الأيدى على الركب فى الركوع، وأن ابن عمر الذى لم يحفظه عن أحد من الأصحاب كما رواه البيهقى خفى عليه المسح على الخفين.
هذا فى قنوت الصبح، أما فى قنوت الوتر فهو سنة عند الشافعية فى النصف الثانى من شهر رمضان، أما فى غير ذلك، فهناك خلاف:
فعند الحنابلة أن القنوت مسنون فى الوتر فى الركعة الواحدة فى جميع السنة، وعند المالكية والشافعية لا يسن، ووافقهم الحنابلة فى رواية عن أحمد. وعند الحنفية مسنون فى كل أيام السنة، يقول ابن تيمية فى فتاويه "مجلد ٢٢ ص ٢٦٤ -٢٦٩ ". . وأما قنوت الوتر فلعلماء فيه ثلاثة أقوال:
١- قيل لا يستحب بحال، لأنه لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قنت فى الوتر.
٢- قيل: بل يستحب فى جميع السنة كما نقل عن ابن مسعود وغيره، ولأن فى السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم الحسن بن على دعاء يدعو به قنوت الوتر.
٣- وقيل بل يقنت فى النصف الأخير من رمضان كما كان أُبى بن كعب يفعل.
وقنوت النوازل مشروع فى غير صلاة الصبح أيضا قال النووى - وهو شافعى المذهب فيه ثلاثة أقوال، والصحيح المشهور الذى قطع به الجمهور أنه مشروع فى كل الصلوات ما دامت فيه نازلة، وإلا فلا، ولم يقل بمشروعيته غيرهم، ورأى المالكية أنه إن وقع لا تبطل به الصلاة وهو مكروه.
ومحل القنوت بعد الركوع عند الشافعية والحنابلة، وفى رواية عن أحمد أنه قال: أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع، فإن قنت قبله فلا بأس.
والمالكية والحنفية، يقنتون قبل الركوع. والقنوت عند الشافعية يحصل بأية صيغة فيها دعاء وثناء مثل (اللهم اغفر لى يا غفور) وأفضله: (اللهم اهدنى فيمن هديت، وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، فانك تقضى ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت وتعاليت) وقد روى عن الحسن بن على رضى اللَّه عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم علمه إياه، كما رواه أبو داود والنسائى والترمذى وغيرهم، وقال الترمذى: حديث حسن، ولا يعرف عن النبى صلى الله عليه وسلم شيء أحسن من هذا.
ولفظه المختار عند الحنفية كما رواه ابن مسعود وعمر رضى اللَّه عنهما: اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثنى عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
يقول النووى: يستحب الجمع ين قنوت عمر وما روى عن الحسن، وإلا فليقتصر على رواية الحسن، وتسن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد القنوت