[مسافة القصر]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يزعم بعض الناس أن أى سفر ولو كان عشرة كيلومترات يجيز للإنسان قصر الصلاة فهل هذا صحيح؟
الجواب
يقول الله تعالى {وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء: ١٠١ والخوف من الفتنة ليس شرطا لقصر الصلاة كما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم، فهو صدقة تصدق الله بها علينا فلنقبل صدقته.
والسفر المبيح للقصر اختلف فى تقديره العلماء، يقول القرطبى فى تفسيره " ج ٥ ص ٣٥٣" قال داود: تقصر الصلاة فى كل سفر طويل أو قصير ولو كان ثلاثة أميال، متمسكا بحديث رواه مسلم عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شك من أحد رواة الحديث واسمه شعبة- صلى ركعتين. يقول القرطبى: وهذا لا حجة فيه، لأنه مشكوك فيه -أى فى المسافة التى رواها شعبة- وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التى بدأ منها السفر، وكان سفرا طويلا زائدا على ذلك.
ولم يذكر حد السفر الذى يقع به القصر لا فى القرآن ولا فى السنة، وإنما كان كذلك لأنها لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله تعالى بالقرآن، فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لغة ولا شرعا، وإن مشى ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعا، كما أنَّا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا، لقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم منها" وهذا هو الصحيح، لأنه وسط بين الحالين، وعليه عوَّل مالك، ولكنه لم يجد هذا الحديث منفقا عليه، وروى مرة " يوما وليلة " ومرة " ثلاثة أيام " فجاء إلى عبد الله ابن عمر فعوَّل على فعله، فإنه كان يقصر الصلاة إلى " رئمْ " -واد بالمدينة- وهى أربعة بردٌ: لأن ابن عمر كان كثير الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم. قال غيره: وكافة العلماء على أن القصر إنما شرع تخفيفا، والتخفيف إنما يكون فى السفر الطويل الذى تلحق به المشقة غالبا، فراعى مالك والشافعى وأصحابهما والليث والأوزاعى وفقهاء أصحاب الحديث أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما، وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام، لأنه لم يرد بقوله " مسيرة يوم وليلة " أن يسير النهار كله والليل كله، وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعيدا عن أهله ولا يمكنه الرجوع إليهم. وفى البخارى: وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران فى أربعة بُرد، وهى ستة عشر فرسخا، وهذا مذهب مالك. وقال الشافعى والطبرى: ستة وأربعون ميلا، وعن مالك روايتان، خمسة وأربعون ميلا، وستة وثلاثون ميلا.
وبعد كلام طويل فى تقدير المسافة قال أبو عمر: اضطربت الآثار المرفوعة فى هذا الباب كما ترى فى ألفاظها، ومجملها عندى -والله أعلم- أنها خرجت على أجوبة السائلين، فحدث كل واحد بمعنى ما سمع -وذلك فى حديث سفر المرأة بغير محرم-.
هذا ما نقلته من تفسير القرطبى باختصار وتصرف، وذكر ابن قدامة فى " المغنى "ج ٢ ص ٩٢ روايات عن جماعة من السلف أن القصر يجوز فى أقل من هذه المسافة، لكنها روايات مردود عليها.
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن المسافة التى تقصر فيها الصلاة فى السفر هى ستة عشر فرسخا ذهابا فقط، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع بذراع اليد، وهذه المسافة تساوى ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين مترا - مسيرة يوم وليلة بسير الإِبل المحملة بالأثقال سيرا معتادا - ولا يضر نقصان المسافة عن المقدار المبين بشىء قليل، كميل أو ميلين.
وأبو حنيفة لم يقدر المسافة بهذه المقاييس، بل قدرها بالزمن وهو ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة يكفى أن يسافر فى كل يوم منها من الصباح إلى الزوال، والمعتبر السير الوسط.
والمالكية قالوا: إن نقصت المسافة عن القدر المبين بثمانية أميال وقصر الصلاة صحت صلاته ولا إعادة عليه على المشهور.
ويستثنى من اشتراط المسافة أهل مكة ومِنى ومزدلفة والمحصب إذا خرجوا فى موسم الحج للوقوف بعرفة فإنه يسن لهم القصر فى حال ذهابهم.
وكذلك فى حال إيابهم إذا بقى عليهم عمل من أعمال الحج التى تؤدى فى غير وطنهم، وإلا أتموا.
ثم قال العلماء: لا يشترط قطع المسافة المذكورة فى المدة المذكورة والمقدرة بالأيام، فلو قطعها فى أقل منها ولو فى لحظة صح القصر- كما هو الشأن فى السفر بالطائرات والقطارات والسيارات.
يؤخذ من هذا أن الرأى المتفق عليه بين الأئمة الأربعة أن يكون السفر طويلا، لا يقل عن ثمانين كيلو مترا تقريبا. هذا، وقد ذكر ابن قدامة فى " المغنى "ج ٢ ص ٩٦ أنه حكى عن عطاء وسليمان بن موسى أنهما أباحا القصر فى البلد لمن نوى السفر وكذلك حكى عن غيرهما ولا يوجد دليل صحيح لذلك.
[يضاف كلام ابن قدامة إلى ص ٥٣٧ من المجلد الثانى]