للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الجن]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

نريد توضيحا لعالم الجن، وهل يمس الإنسان بِشَرِّ؟

الجواب

١ -الجن -كما يقوك الدميرى فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" - أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة. لها عقول وإفهام وقدرة على الأعمال الشاقة.

٢ - وهم خلق موجودون بالنصوص الثابتة فى القرآن والسنة، وبالإجماع، والعقل لا يحيل ذلك.

٣- وهم أصناف، فقد روى الطبرانى بإسناد حسن عن أبى ثعلبة الخشنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الجن ثلاثة أصناف، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها فى الهواء، وصنف حيَّات، وصنف يَحُلُّون ويظعنون " أى يمشون ويتحركون، وكذلك رواه الحاكم وقال: صحيح الإِسناد. وجاء فى حديث رواه ابن أبى الدنيا عن أبى الدرداء رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " خلق الله الجن ثلاثة أصناف، صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح فى الهواء، وصنف كبنى آدم، عليهم الحساب والعقاب ".

وإذا كان اسم الجن يطلق على الهوام المؤذية فيمكن فهم هذا الحديث بسهولة، وهو ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم " نهى عن إرسال الأطفال بعد غروب الشمس إلى العشاء، لأن الشياطين تنبعث فى هذه الفترة. وكذلك ما رواه البخارى ومسلم عن أبى لبابة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجِنَان التى فى البيوت إلا الأبتر وذا الطُّفيتين، فإنهما اللذان يخطفان البصر ويطرحان أولاد النساء. والطفيتان - بضم الطاء - الخطان الأبيضان على ظهر الحية. والأبتر قصير الذَّنب. وقال النضر بن شميل: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب، ولا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها " حياة الحيوان - للدميرى ".

٤ - والجن مستترون، وقد يتشكلون بأشكال مختلفة، وتحكم عليهم الصورة كما قال العلماء، قال تعالى {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} الأعراف: ٢٧. وقد تشكل شيطان فى صورة لص أراد أن يسرق من الصدقة التى كان يحرسها الصحابى، ولما أخبر النبىَّ به عرَفَه أنه شيطان رواه البخارى.

وهم من ذرية إبليس على المشهور، قال تعالى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو} الكهف: ٥٠.

٥ - الجن مكلفون كالبشر ومحاسبون على أعمالهم كما يحاسب بنو آدم، وجاء ذلك فى القرآن الكريم فى مثل قوله تعالى {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم أياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا} الأنعام: ١٣٠، وقوله {سنفرغ لكم أيها الثقلان} الرحمن: ٣١، وقد ثبت أنهم سمعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم، وأن منهم من آمن ومنهم من كفر، قال تعالى {قل أوحى إلَّى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} الجن: ١، ٢، وقال تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستعمون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا. .

} الأحقاف: ٢٥، وقال على لسانهم {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا} الجن: ١١ وثبت فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم ذهب إليهم وتحدث معهم. ففى صحيح مسلم أنه قال " أتانى داعى الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن " وفيه أنهم سألوه الزاد فقال " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تأخذونه فيقع فى أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بَعْرٍ علَفٌ لدوابكم " ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه " فلا تستنجوا بهما فانهما طعام إخوانكم ".

٦ -إن عدم رؤيتنا للجن إنما هو فى رؤيتهم على حقيقتهم، وقد يخص الله نبيه بأن يراهم كذلك أحيانا، وقد قيل: إنه لم يرهم فى أول الآمر ولم يحس بأنهم يستمعون القرآن منه، والله هو الذى أخبره بأنهم يستمعون، ثم بعد ذلك رآهم وكلمهم حين ذهب إليهم، إمَّا على حقيقتهم وإما بأشكال أخرى، وذلك ممكن لغير النبى صلى الله عليه وسلم كما سبق ذكره فى رؤية أبى هريرة له وهو يريد أن يسرق من زكاة رمضان، وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن عفريتا من الجن تفلَّت عل البارحة يريد أن يقطع علىَّ صلاتى، فَذعْتُه - أى خنقته - وأردت أن أربطه فى سارية من سوارى المسجد، فذكرت قول أخى سليمان، فأطلقته " وجاء فى رواية مسلم قوله " والله لولا دعوة أخى سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " كما جاء فى رواية النسائى بإسناد جَيد أنه خنقه حتى وجد برد لسانه على يده.

٧ - إن إبليس أقسم حين طرد من الجنة أن يُغوى الناس أجمعين إلا عباد الله المخلصين، وقد حذرنا الله منه بمثل قوله تعالى {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} فاطر: ٦،. وقوله تعالى {ألم أعهد إليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} يس: ٦٠.

وثبت أن كل إنسان يُوَكَّل به شيطان يطلق عليه اسم القرين. ففى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن " قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال " وإياى، إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير ".

٨- والشيطان كما يضر الأنسان بالإِغواء والفتنة، يمكنه أن يؤذيه بأى نوع من الأذى الحسى أو المعنوى، شأن الإِنسان مع الإِنسان، وإذا ثبت أن منهم الكافرين والمؤمنين، وأن منهم الطائعين والعاصين، كما جاء فى قوله تعالى {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك} فإن العقل لا يحيل أن يؤذى الجن الإِنس بأى أذى، وليس هناك دليل صحيح يحيل هذا الأذى، فالجن قد سرق من الزكاة كما سبق وهو يشارك الإِنسان فى الطعام وغيره، ولذلك حثنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نسَمِّى الله عند الأكَل وعند دخول البيت، بل عند إرادة اللقاء مع الزوجة.

٩-واتقاء شره فى الوسوسة يكون بمثل ما جاء فى قوله تعالى {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} الأعراف: ٢٠٠، كما يستعان عليه بقوة الإِيمان بالله والمواظبة على العبادة والسلوك الحسن، حتى يكون الإِنسان من عباد الله المخلصين، الذين نجأهم الله من سلطان إبليس.

١٠ -والمسألة التى يسأل عنها كثيرا هى: هل يستطيع الجن أن يلبس جسم الإِنسان ويصيبه بما يسمى الصرع؟ .

الجواب أنه لا يوجد دليل صحيح يمنع ذلك، وقال بعض الناس: إن ذلك ممنوع، لأن طبيعة الجن النارية لا يمكن أن تتصل بطببيعة الإِنس الترابية أو تلبسها وتعيش معها، وإلا أحرقتها، لكن هذا الاحتجاج مردود، لأن الطبيعة الأولى للجن والإِنس ذهبت عنها بعض خصائصها، بدليل الحديث السابق، فى إمساك الرسول للعفريت وخنقه وإحساسه ببرد لعابه على يده،، فلو كانت طبيعة النار باقية لأصابت يده الشريفة صلى الله عليه وسلم، ولاشتعل البيت والمكان والملابس نارا إذا أوى إليها الشيطان عندما لم يسم الإِنسان عند دخول البيت والأكل من الطعام.

وفى هذا يقول ابن القيم فى كتابه زاد المعاد فى " الطب ": الصرع، صرعان، صرع من الأرواح الأرضية الخبيثة، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثانى هو الذى يتكلم فيه الأطباء، فى سببه وعلاجه، وأما صرع الأرواح فأثمتهم وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية، لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدفع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها، ثم يقول ابن القيم: لا ينكر هذا النوع من الصرع إلا من ليس له حظ وافر من معرفة الأسرار الروحية. وأورد بعض الحوادث التى حدثت أيام النبى صلى الله عليه وسلم وأثر قوة الروح وصدق العزيمة فى علاجها، وأفاض فى النعى على من ينكرون ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>