[تمثيل شخصيات الأنبياء محرم شرعا]
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
شوال ١٤٠٠ هجرية - ١٧ أغسطس ١٩٨٠ م
المبادئ
١ - القصص القرآن على تنوعه يهدف لبيان غرض دينى موضوعى وتكراره فى أكثر من موضع تأكيد لذلك.
٢ - قصص الأنبياء فى القرآن الكريم جاءت تصحيحا لمفاهيم خاطئة.
٣ - الأنبياء والرسل أعز وأكرم من أن يمثلهم إنسان أو يتمثل بهم شيطان.
٤ - عصمة الله لأنبيائه ورسله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان ويمتد ذلك إلى أصولهم وفروعهم وزوجاتهم وصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم
السؤال
هل يجوز شرعا تشخيص نبى من الأنبياء أو زوجه أو ولده أو والده أو والدته
الجواب
تعغقيبا على ما نشر بجريدة الأهرام يوم الجمعة ٢٠ رمضان ١٤٠٠ هجرية فى خصوص المسلسل التليفزيونى محمد رسول الله، إن القصص القرآنى على تنوعه ليس مجرد معجز فى أسلوبه وصياغته، وإنما هو مضمون موضوعى مقيد بغرض دينى يهدف إلى إبانته وتحقيقه وإقراره، فالقصة تتكرر فى غير موضع وتصاغ فى عبارات متغايرة، ولى كل مرة تدعو دعوة مباشرة لشىء، وفى ذات الوقت لا تنفك عن إعجاز القرآن، ومع هذا وذاك تبتعد عن الخيال، وكيف يحتويها أو يحوطها خيال والقرآن كلمة الله.
ومن بين قصص القرآن كانت قصص الأنبياء عليهم السلام جاءت تصحيحا لمفاهيم خاطئة امتلآت بها كتب الديانات السابقة المحرفة، كما جاءت مبينة لما كان لهم من شرائع درست بنبذ أهلها إياها، وتحدث القرآن الكريم عن أنبياء الله ورسله باعتبارهم المصطفين الأخيار من بنى الإنسان، ومع هذا فهم بشر يمشون فى الأسواق ويأكلون الطعام ويجرى عليهم الموت.
اختارهم الله لما علمه فيهم سلفا من نقاء وفضل، فهم أفل بشر على الإطلاق وإن تفاوتوا فى الفضل فيما بينهم قال تعالى {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} الإسراء ٥٥، وهم بهذه المنزلة أعز من أن يمثلهم أو يتمثل بهم إنسان أو حتى شيطان، فقد عصمهم الله واعتصموا به فلم يزلوا لأن لهم عصمة تصونهم وتقودهم بعديا عن الخطايا الكبار والصغار قبل الرسالة وبعدها.
يدلنا على هذه الحصانة - كما نسميها فى تعبيراتنا العصرية - الحديث الشريف الذى رواه أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من رآنى فى المنام فقد رأنى، فإن الشيطان لا يتمثل بى) وفى رواية أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسمل يقول (من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة ولكأنما رآنى فى اليقظة ولا يتمثل الشيطان بى) .
متفق على صحته. وهذا واضح الدلالة فى أن الشيطان لا يظهر فى صورة النبى صلى الله عليه وسلم عيانا أو مناما صونا من الله لرسله وعصمة لسيرتهم، بعد أن عصم ذواتهم ونفوسهم.
وإذا كان هذا الحديث الشريف يقودنا إلى أن الله قد عصم خاتم الرسل عليه والصلاة والسلام من أن يتقمص صورته شيطان، فإن فقه هذا المعنى أنه يحرم على أى إنسان أن يتقمص شخصيته ويقوم بدوره.
وإذا كان هذا هو الحكم والفقه فى جانب الرسول الخاتم، فإنه أيضا الحكم بالنسبة لمن سبق من الرسل، لأن القرآن الكريم جعلهم فى مرتبة واحدة من حيث التكريم والعصمة، فإذا امتنعوا بعصمة من الله أن يتمثلهم الشيطان امتدت هذه العصمة إلى بنى الإنسان، فلا يجوز لهم أن يمثلوا شخصيات الرسل، إذ لا يوجد الإنسان الذى ابيضت صفحته وظهرت سريرته ونقاه الله من الخطايا والدنايا كما عصم أنبياءه ورسله ويستدل على ذلك من قول الله سبحانه {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة ٢٨٥، وإذا كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب كما قال القرآن {لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى} يوسف ١١١، فإن القصة لا تستفاد منها العبرة آخذة بالنفوس إلا إذا كانت من الإنسان الذى اصطفاه الله واختاره لإبلاغ الرسالة وإنقاذ أمته، وكيف تتأتى الاستفادة من تمثيل إنسان لشخص نبى ومن قبل مثل شخص عربيد مقامر سكير رفيق حانات وأخ للدعارة والداعرات، ومن بعد يمثل كل أولئك أو كثير منهم إنه جميل جدا أن نتجه إلى القصص الدينى القرآن نعرضه بطرق العصر ولغته ومواده ونقربه إلى إذهان أولادنا بدلا من القصص المستورد الذى يحرض على التحلل والانحلال.
نعم إن هذا أمر محمود، لكن لابد فيه من الالتزام بآداب الإسلام ونصوص القرآن ولنصور الوقائع كما حكاها القرآن واقعا لا خيال فيه ولنحجب شخص النبى الذى نعرض قصصه مع قومه، فلا يتمثله أحد، وإنما نسمع صوت من يردد إبلاغه الرسالة ومحاجته لقومه وإبانته لمعجزته كما أوردها القرآن الكريم.
وإذا كان هذا أمرا لازما بمقتضى فقه ذلك الحديث الشريف فإن ما بدا فى مسلسل محمد رسول الله من إظهار شخص المتحدث باسم رسول الله موسى عليه السلام وقت النطق بما يردده من أقوال هذا النبى، هذا الذى حدث يكون منافيا لالتزامنا نحن المسلمين نحو الأنبياء من التكريم والتوقير والارتفاع عن الغض من مكانتهم التى صانها الله.
كما أن النبى هارون وأم موسى وأخته وزوجه يأخذون هذا الحكم فلا يجوز أن يتقمص أشخاصهم أحد من الممثلين، بل نسمع الأقوال المنسوبة إليهم نطقا، لأن الله سبحانه كرم أم موسى بقوله {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} القصص ٧، وأيا ما كان معنى هذا الوحى وطيقه فهو وحى من الله إلى من اصطفاها أما لنبيه ترتفع به عن مستوى الغير فلا تتمثلها امرأة - مع الاحترام لأشخاص من قاموا بهذا التمثيل - وهذه أخته وهذه زوجه لكل منهما مكانتها وموضعهاالذى رفعها الله إليه فى قرآنه، ثم هذا النبى هارون شريك موسى فى الرسالة قالى تعالى {اشدد به أزرى.
وأشركه فى أمرى} طه ٣١ - ٣٢، وإن فقه كل ذلك يجعل لأولئك مكانا علينا بالتبع لهذا النبى إن لم يكن لذواتهم التى كرمها الله وشرفها بالوحى.
ولعلنا نسترشد فى هذا المعنى بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فى حق نفسه ونشأته ونسبه (أنا خيار من خيار) وهذا الحكم - كما سبق - يمتد إلى غيره ممن سبقه من الأنبياء.
من أجل ذلك - يجب أن ينقى هذا المسلسل وغيره من المناظر المصورة التى يمثل الأنبياء فيها بأشخاص ظاهرين، أو يمثل فيها أصولهم كالأم أو زوجاتهم وأولادهم، بل إن هذا الحظر يمتد إلى الأصحاب الذين عاصروا الرسالة وأسهموا فى إبلاغها، لأن القدوة من بعد النبى فى هؤلاء الأصحاب ومن ثم كان لزاما صونهم عن التمثيل والتشخيص، ويكفى أن نسمع أقوالهم مرددة من خلال الأصوات التالية لها.
وإنى لأهيب بالمسئولين عن الإذاعة والتليفزيون أن يبادروا إلى تصحيح ما وقع من تجاوز فى هذا المسلسل وغيره، إن كان ما ألمحت إليه (الأهرام) فيما نشرت صحيحا.
وأهيب بالمسئولين عن الثقافة فى المسارح أن يعيدوا النظر فيما لديهم من قصص مستقاة من القرآن أو السيرة النبوية الشريفة، وأن يرفعوا منها كل ما كان فيه تشخيص لأحد الأنبياء أو زوجه أو ولده ووالده ووالدته أو أحد أصحابه، فإنه إذا كانت المصلحة فى تقريب هذه القصص تمثيلا وتصويرا للناس إلا أن المفسدة فى تجسيد النبى أو أحد هؤلاء الأقربين إليه عظيمة والخطر منها أفدح، ولاشك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما تقضى قواعد الشريعة الغراء.
وأهيب بمن بيدهم الرقابة على هذه المصنفات أن يتابعوا مراحل إعدادها وإخراجها، وأن يقولوا للناس ما انتهوا إليه من رأى فيها فإنهم إن سكتوا عما فيها من تجاوزات كانوا مقرين لها وهم فى هذا آثمون مخالفين للحديث الشريف (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان) .
إن شريعة الإسلام هى قانوننا بمقتضى نصوص القرآن والسنة وتنظيما بمقتضى المادة الثانية من دستورنا.
ومن أجل هذا أهيب المختصين فى مجمع البحوث أن يتخذوا الإجراءات القانونية فى حال ثبوت مخالفة النصوص المعتمدة للقصص القرآنية، أو المستمدة من السيرة النبوية لوقف إذاعتها أو إخراجها تمثيلا أو تصويرا.
والله الهادى إلى سواء السبيل وهو ولى التوفيق