[المهدى المنتظر]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يوجد تضارب كبير فى ظهور المهدى المنتظر فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب
سنذكر كلمة موجزة عن المهدى المنتظر ملخصة من عدة كتب ومقالات قديمة وحديثة. فنقول:
ظهور المهدى فيه أربعة أقوال:
القول الأول:
أن المهدى هو المسيح ابن مريم عليهما السلام، ودليله حديث ابن ماجه، "لا مهدى إلا عيسى بن مريم " وهو حديث ضعيف، لتفرد محمد بن خالد به، ولورود أحاديث بوجود المهدى وصلاته مع عيسى ابن مريم تمنع الحصر الوارد فى هذا الحديث فى عدم وجود مهدى إلا عيسى.
على أن هذا الحديث لو صح لم تكن فيه حجة، لأن سيدنا عيسى عليه السلام أعظم مهدى بين يدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والساعة، فيكون الحصر إضافيا، والمراد لا مهدى كاملا إلا عيسى عليه السلام.
القول الثانى:
أن المهدى رجل من آل البيت من ولد الحسين بن على، يخرج آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وأكثر الأحاديث تدل على هذا، وهى وإن كانت ضعيفة يقوى بعضها بعضا، وقد صحح بعضهم بعضها، منها حديث أحمد وأبى داود والترمذى وابن ماجه "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلا من أهل البيت يملأها عدلا كما ملئت جورا" ورواية أبى داود هذه وثقها الهيتمى فى مجمع الزوائد القول الثالث:
أنه المهدى الذى تولى الخلافة فى الدولة العباسية فى القرن الثانى الهجرى، والأحاديث التى رويت فى هذا ضعيفة، وعلى فرض صحتها فالمهدى هذا أحد المهديين، وهناك غيره، ويصح أن يقال: إن عمر ابن عبد العزبز كان مهديا، بل هو أولى بهذه التسمية من مهدى بنى العباس.
القول الرابع:
الأقوال السابقة هى لأهل السنة، وهذا القول هو للشيعة الإمامية، حيث يقولون: إنه محمد بن الحسن العسكرى المنتظر، من ولد الحسين بن على، ويقولون فى صفته: الحاضر فى الأمصار، الغائب عن الأبصار، وأنه دخل سردابا فى "سامرا" وقيل فى مدينة تدعى "جابلقا" وهى مدينة وهمية ليس لها وجود. وزعم أحمد الأحسائى الممهد للبهائية أنه فى السماء وليس فى الأرض. .
دخلها وكان طفلا صغيرا منذ أكثر من خمسمائة عام، فلم تره بعد ذلك عين ولن يحس فيه بخبر، وهم ينتظرونه كل يوم، يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون بأن يخرج إليهم ثم يرجعون، وقال فى ذلك بعض الشعراء:
ما آن للسرداب أن يلد الذى * كلمتموه بجهلكم ما آنا فعلى عقولكم العفاء فإنكم * ثلثتم العنقاء والغيلانا هذا، وهناك مهديون كثيرون ظهروا في التاريخ، فى الشرق وفى الغرب، واليهود ينتظرون الذى يخرج آخر الزمان، لتعلو كلمتهم وينصروا به على سائر الأمم، ويعتقد هذا سبعون ألفا من يهود أصفهان، وكذلك النصارى ينتظرون المسيح يوم القيامة، وبهذا تكون الملل الثلاثة منتظرة للمهدى.
إن المهدى وردت فيه أحاديث كثيرة صحح بعضها وضعف الكثير منها، ويؤخذ من مجموعها أنه من اَل البيت، وسيخرج آخر الزمان، ويلتقى مع سيدنا عيسى عليه السلام.
فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث اللَّه فيه رجلا من عترتى يملؤها عدلا كما ملئت جورا".
ويؤخذ من الأحاديث أن اسمه "محمد" وأن اسم والده "عبد الله " كاسم والد النبي صلى الله عليه وسلم وتقول الشيعة إنه اختفى بعد موت والده، وذكر محيى الدين بن العربى فى "فتوحاته " أن والده هو الإمام حسن العسكرى، وساق نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ابن حجر فى "الصواعق " أن ظهوره يكون بعد أنه يخسف القمر في أول ليلة من رمضان، وتكسف الشمس في النصف منه، وذلك لم يوجد منذ أن خلق الله السماوات والأرض كما قرره علماء الفلك، فهل سيكون ذلك من باب الإعجاز؟ .
بل ذكر الشعرانى فى " اليواقيت والجواهر" أنه يولد فى ليلة النصف من شعبان سنة١٢٥٥ هـ قائلا: إنه تلقى ذلك من الشيخ حسن العراقى ووافق عليه الخواص.
هذه صور من أفكار المسلمين عن المهدى، وفى بعضها بُعد يصعب تعقله، ولا يجوز أن نبنى العقائد على مثل هذه القواعد غير الثابتة.
لقد استغل كثير من الناس قضية المهدى فتكونت دول وظهرت شخصيات على مسرح التاريخ، وقامت دعوات تتمسح بها، وكل يدعى أن آخر الزمان المقصود فى الكلام عنه هو زمانه الذى كثر فيه الظلم، وكل زمان لا يخلو من ذلك كما يتصوره بعض الناس.
لقد استغلها الفاطميون وأقاموا دولتهم أولا بالمغرب، ثم انتلقت إلى مصر واتسع نطاقها، استغلها "ابن تومرت " فأسس دولة الموحدين بنى عبد المؤمن، وفى أيام الدولة المرينية بفاس قام رجل اسمه "التوبرزى" مدعيا أنه المهدى أيضا، كما ادعاها مغربى من طرابلس قابل نابليون بين دمنهور ورشيد، وقيل إن المهدى صاحب ثورة السودان كان أتباعه يطلقون عليه المهدى المنتظر.. .
يقول القلقشندى فى ادعاء الشيعة الإمامية لوجود المهدى: إنهم يقفون عند باب السرداب بغلة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشفق، وينادونه ليخرج حتى يقضى على الظلم الذي عم البلاد.
ويروى ياقوت أنهم كانوا فى "كاشان " من بلاد الفرس يركبون كل صباح للقائه وذلك فى أواخر القرن الخامس الهجرى، ويروى مثل ذلك ابن بطوطة، والكيسانية يدعون أنه "محمد ابن الحنفية " وكان من العادات فى زمن ملوك الصفوية فى فارس إعداد فرسين مسرجين دائما فى القصر لاستقبال المهدى وعيسى. .
وهذا يشبه عمل المتهوسين من الإفرنج فى القدس الذين ينتظرون مجىء المسيح يوم الدينونة. يقول "هوارت " الفرنسى فى " تاريخ العرب ":
إن إنكليزيا ذهب إلى بيت المقدس وأقام بالوادى الذى ستكون فيه الدينونة، وفى كل صباح يقرع الطبل منتظرا للحشر.
وجاءت امرأة إنكليزية إلى القدس، وكانت تعد الشاى كل يوم لتحيى به المسيح عند ظهوره. ويقول " لامرتين " عند زيارته لجبل لبنان: إنه رأى في قرية "جفن " السيدة " استير ستاتهوب " بنت أخى"بيت " الوزير الإنكليزى الشهير، رأى عندها فرسا مسرجا، زعمت أنها تعده ليركبه المسيح.
إن ظهور المهدى ليس له دليل صريح فى القرآن الكريم، وقد رأى ابن خلدون عدم ظهوره كما جاء فى الفصل الذى عقده فى مقدمته خاصا بذلك والشوكانى ألف كتابا سماه "التوضيح فى تواتر ما جاء فى المنتطر والدجال المسيح " جاء فيه أن الأحاديث الواردة فى المهدى التى أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبروهى متواترة بلا شك ولا شبهة.
ومهما يكن من شيء فإن ظهوره ليس ممنوعا عقلا، ولم تثبت استحالته بدليل قاطع كما أن أدلة ظهوره لم تسلم من المناقشة، والعقائد لا ثثبت بمثل هذه الأدلة على ما رآه المحققون. فمن أثبت فهو حر فيما يرى، لكن لا يجوز أن يفرض رأيه على غيره، ومن نفى لم يخرج من الإيمان إلى الكفر. .
وأولى لنا أن نتناقش فى أمر عملى يعيد لنا قوتنا الأولى، أو على الأقل يخلص المسلمين من الوضع الذى هم فيه الآن والعقائد الأساسية واضحة، وأدلتها موفورة.
يمكن الرجوع للاستزادة إلى:
١- المنار لابن القيم.
٢- صبح الأعشى للقلقشندى.
٣-التوضيح للشوكانى.
٤-مقالات الصديق الغمارى فى مجلة الإسلام في السنوات الأولى.
٥- سيد البشر يتحدث عن المهدى المنتظر، جمع حامد ليمود.
٦-القطرة من بحار ومناقب النبى والعترة والعثرة رضى الدين الموسيوى التبريزى.
٧-القول المختصر فى علامات المهدى المنتظر. لابن حجر الهيتمى.
٨-المشرب الوردى فى أخبار المهدى لملا على القارى