[الوصية لوارث]
المفتي
محمد مجاهد.
صفر سنة ١٤٠٦ هجرية - ٥ نوفمبر ١٩٨٥ م
المبادئ
١ - الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء أكان الموصى به عينا أم منفعة.
٢ - الوصية قد تكون واجبة وقد تكون محرمة وقد تكون مكروهة وقد تكون مستحبة وقد تكون مباحة.
٣ - اختلف الفقهاء فى الوصية لوارث ما بين مانع ومجيز وقد أخذ قانون الوصية بقول الشعية الأمامية فأجاز الوصية للوارث.
٤ - تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره وتنفذ من غير اجازة الورثة وتصح بما زاد عن الثلث ولا تنفذ فى الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى.
٥ - لا يجوز ادخال الوحشة على الأولاد وسائل الأقارب بايثار بعضهم الا إذا وجد مبرر شرعى يقتضى ذلك
السؤال
من السيد / أسامة المفتى الجزائرى بالطلب المقيد برقم ٢١٨ لسنة ١٩٨٥ والمتضمن الاستفسار عن حكم الوصية للوارث حسب الشريعة الإسلامية وليس وفقا للقانون ورأى المذاهب الأربعة الإسلامية فى هذا الموضوع
الجواب
الوصية كما عرفها الحنفية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان الموصى به عينا أم منفعة.
وعرفها غير الحنفية من المذاهب الأربعة والأمامية بما هو قريب من هذا المعنى أو بما يستفاد منه هذا المعنى.
وعرفها قانون الوصية رقم ٧١ لسنة ١٩٤٦ فقال (هى تصرف فى التركة مضاف إلى ما بعد الموت) وقد ثبتت الوصية بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول.
أما الكتاب فمنه قوله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أو دين} ونحوه مما جاء فى آية المواريث من سورة النساء فقد شرع الله سبحانه وتعالى الميراث مرتبا على الوصية فدل على أن الوصية جائزة.
ومنه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض} المائدة ١٠٦، فقد ندبنا سبحانه وتعالى إلى الإشهاد على حال الوصية فدل على أنها مشروعة.
وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة فى أعمالكم فضعوها حيث شئتم أو حيث أحببتم) رواه البخارى.
ومنها ما روى عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال (جاءنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودنى عام حجة الوداع من وجع اشتد بى فقلت يا رسول الله أنى قد بلغ بى من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة أفأتصدق بثلثى مالى قال (لا) قلت فالشطر يا رسول الله فقال (لا) قلت فالثلث قال (الثلث والثلث كير أو كبير انك ان تذر وثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) هذا طرف من رواية البخارى وملم.
فجوز صلى الله عليه وسلم الوصية بالثلث وغير ذلك من الأحاديث الدالة على مشروعية الوصية.
وأما الاجماع فإن الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يوصون غير انكار من أحد فيكون اجماعا من الأمة على ذلك وأما المعقول فهو كما قال الكاسانى فإن الانسان يحتاج إلى أن يكون ختم عمله بالقرية زيادة على القرب السابقة على ما نطق به الحديث (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة فى أعمالكم فضعوها حيث شئتم أو حيث أحببتم) أو تداركا لما فرط منه فى حياته وذلك بالوصية.
وهذه العقود ما شرعت إلا لحوائج العباد اليها فإذا مست الحاجة إلىالوصية وجب القول بجوازها.
هذا وتنقسم الوصية من حيث صفتها إلى خمسة أقسام.
واجبة وهى وصية المديون بما عليه لله تعالى من الزكوات والكفارات وفدية الصيام ونحو ذلك من الفرائض والواجبات التى قصر فيها فى حياته وكذا الديون التى فى ذمته للعباد والتى لا تعلم إلا من جهة الموصى كدين ووديعة لا يعلم بها من تثبت بقوله لأن الله تعالى فرض أداء الأمانات وطريقة هذا الباب الوصية.
فتكون واجبة. ومحرمة وهى ما كان فيها إضرارا بالورثة أو مخالفة لمقاصد الشرع.
ومكروهة وهى الوصية لأهل الفسق فإنها تكره لهم خشية أن يستعينوا بها على التمادى فى فسقهم.
ومباحة وهى الوصية للغنى سواء أكان من الأقارب أم الأحانب إذا تجردت من قصد القربة.
أما لو أوصى له لكونه من أهل العلم أو الصلاح أو ذا عيال اعانة فينبغى استحبابها.
ومستحبة وهى الوصية فى سبل الخير والنفع العام والخاص تقربا إلى الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) أخرجه مسلم وغيره من رواية أبى هريرة رضى الله عنه.
هذا وقد اختلف الفقهاء فى الوصية للوارث.
١ - قال ابن حزم والشافعية فى غير الأظهر والمالكية فى المشهور عندهم.
لا تجوز الوصية لوارث أصلا سواء أجاز الورثة أم لم يجيزوا لقوله صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث) وعلل ابن حزم بأن الله سبحانه منع من ذلك فليس للورثة أن يجيزوا ما أبطله الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
وإذا أجاز الورثة فابتداء عطية من عند أنفسهم فهو مالهم.
٢ - وقال الشيعة الامامية تصح الوصية للوارث وان لم تجز الورثة لعموم قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة ١٨٠.
٣ - وقال الشافعية فى الأظهر عندهم وهو ظاهر مذهب الامام أحمد وقول غير مشهور للمالكية الوصية للوارث صحيحة موقوفة على إجازة الورثة بعد الموت فإن ردوها بطلت وأن أجازوها صحت لحديث البيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (ولا وصية لوارث الا أن يجيز الورثة) فدل قوله صلى الله عليه وسلم (إلا أن يجيز الورثة) على أن الحق لهم فإن أجازوها فقد رضوا بإسقاط حقهم فارتفع المانع.
٤ - وقال الحنفية الوصية للوارث ولو بالقليل لا تجوز الا بإجازة الورثة بعد موت الموصى أما عدم جوازها عند عدم الاجازة فلقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث) ولأن البعض يتأذى بايثار البعض ففى تجويزه قطيعة الرحم ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيعتبر وقت التمليك.
وأما الجواز عند إجازة الورثة بعد الموت فلأن المنع كان لحقهم وقد أسقطوا حقهم برضاهم فيزول المنع وفى بعض الروايات عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة) .
وقد أخذ القانون رقم ٧١ لسنة ١٩٤٦ الخاص بأحكام الوصية والمأخوذة أحكامه من بعض المذاهب الفقهية الإسلامية بقول الشعية الامامية فأجاز الوصية للوارث فى حدود الثلث من غير توقف على إجازة الورثة وذلك فى المادة ٣٧ ونصها تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره.
وتنفذ من غير إجازة الورثة وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ فى الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزون.
هذا والذى ترتاح إليه النفس ويؤخذ من روح الشريعة ومقاصدها النبيلة السامية أنه لا يجوز إدخال الوحشة على الأولاد وسائر الأقارب بايثار بعضهم لا فى الحياة ولا بعد الممات إلا إذا وجد سبب وجيه يقره الشرع والعقل لإيثار بعضهم على بعض وبهذا يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم