للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن الكريم]

المفتي

محمد بخيت.

صفر ١٣٣٦ هجرية ٢٦ من نوفمبر ١٩١٧ م

المبادئ

١ - لا يجوز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن الكريم ويأثم الدافع والقارىء بأخذ الأجرة.

٢ - يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم والآذان والإمامة للضرورة

السؤال

فقيه يقرأ القرآن دعى فى مأتم وأدى القراءة ثلاث ليال ولم يشترط جعلا مخصوصا عينه لصاحب المأتم، وبعد انتهاء الليالى المذكورة أعطاه صاحب المأتم الأجرة بحسب حاله وبحسب اللائق أيضا فأبى الفقيه المذكور أن يأخذ المبلغ الذى أعطاه إياه، وطلب ضعفه برغم أنه من مشاهير القراء ذوى الصيت فهل لا يجاب الفقيه المذكور إلى طلب الزيادة عما يدفعه إليه صاحب المأتم حيث لم يشترط عليه مبلغا معينا أو يجاب

الجواب

اطلعنا على هذا السؤال.

ونفيد أن العلامة ابن عابدين نص فى تنقيح الحامدية بصحيفة ١٢٦ جزء ثان طبعة أميرية سنة ١٣٠٠ على أن عامة كتب المذهب من متون وشروح وفتاوى كلها متفقة على أن الاستئجار على الطاعات لا يصح عندنا.

واستثنى المتأخرون من مشايخ بلخ تعليم القرآن، فجوزوا الاستئجار عليه وعللوا ذلك فى شروح الهداية وغيرها بظهور التوانى فى الأمور الدينية وبالضرورة وهى خوف ضياع القرآن، لأنه حيث انقطعت العطايا فى بيت المال وعدم الحرص على الدفع بطريق الحسنة يشتغل المعلمون بمعاشهم ولا يعلمون أحدا ويضيع القرآن.

فأفتى المتأخرون بالجواز لذلك واستثنى بعضهم أيضا الاستئجار على الأذان والإمامة للعلة المذكورة لأنهما من شعائر الدين ففى تقويتهما هدم الدين فهذه الثلاثة مستثناه للضرورة فإن الضرورات تبيح المحظورات إلى أن قال.

وقال فى الهداية الأصل أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام.

إقرءوا القرآن ولا تأكلوا به الخ. فالاستئجار على الطاعات مطلقا لا يصح عند أئمتنا الثلاثة أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد.

قال فى معراج الدراية (وبه قال أحمد وعطاء والضحاك والزهرى والحسن بن سيرين وطاوس والشعبى والنخعى.

ولا شك أن التلاوة المجردة عن التعليم من أعظم الطاعات التى يطلب بها الثواب فلا يصح الاستئجار عليها.

لأن الاستئجار بيع المنافع وليس للتالى منفعة سوى الثواب ولا يصح بيع الثواب، ولأن الأجرة لا تستحق إلا بعد حصول المنفعة للمستأجر والثواب غير معلوم) ثم قال (ورأيت التصريح ببطلان الوصية بذلك فى عدة وعزى فى بعض الكتب إلى المحيط لسرخسى والمحيط البرهانى والخلاصة والبزازية.

فإذا كانت الوصية للقارئ لأجل قراءته باطلة لأنها تشبه الاستئجار على التلاوة فالإجارة الحقيقية تكون باطلة بالأولى.

فهذه نصوص المذهب من متون وشروح وفتاوى متفقة على بطلان الاستئجار على الطاعات ومنها التلاوة كما سمعت إلا ما استثناه المتأخرون للضرورة كالتعليم والأذان والإمامة.

ولا يصح إلحاق التلاوة المجردة بالتعليم لعدم الضرورة إذ لا ضرورة داعية إلى الاستئجار عليها بخلاف التعليم) .

ومثل ما ذكره العلامة فى التنقيح ذكره أيضا فى رد المحتار وفى حاشيته على البحر وخالفه العلامة المرحوم الشيخ المهدى فى فتاواه حيث قال بصحيفة ١٥٥ من الجزء السابع ما نصه (وأما الموصى به للتجهيز والتكفين وقراءة الصمدية والعتاقة والختمات فالمبلغ الذى عينه لذلك بعد تحقيق ما ذكر شرعا ضمن دعوى أحد الورثة على الباقى أو مأذون له٤ فى الخصومة من قبل القاضى يخرج منه حوزة تجهيزه وتكفينه الشرعيين وما بقى يصرف لجهة الخيرات التى عينها الموصى وهذا بناء على ما عليه عمل الأئمة فى ديارنا فى سائر الأزمان من حكم الشرع والعلماء.

وبنوه على فتوى المتأخرين فى جواز أخذ الأجرة على الطاعات للضرورة ولتساهل الناس وتكاسلهم فى الأمور الخيرية.

كما صرحوا بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والإمامة والأذان وهذا بخلاف ما أفتى به العلامة خير الدين الرملى فى فتاواه المشهورة وجرى عليه الأستاذ ابن عابدين وأول فى هذه المسألة وقصر فتوى المتأخرين على نحو التعليم والإمامة واستدل بأنهم عللوا ذلك بالضرورة وأنه لا ضرورة فى غير ذلك فى الختمات والعتاقات والسبح وبنى على ذلك بطلان الوصية لمثل ذلك والوقف على مثل هذه الخيرات وحرم قراءة القرآن بشىء لمن يقرؤه وأثم القارىء والدافع وجزم بعدم حصول الثواب على شىء من ذلك وما نقله فى ذلك يمكن حمله على ما ذهب إليه المتقدمون وهذا كله مخالف لما عليه عمل الناس من العلماء والقضاة وعامة المسلمين وهو مستفاد من بعض عبارات كتب المذهب بناء على فتوى المتأخرين وإن لم يرتضه الاستاذ المذكور والتعليل بالضرورة وتكاسل الناس المعلل به فتوى المتأخرين لامانع من تحقيقه فى مثل ذلك لاسيما فى هذا الزمان وقد كثرت وتداولت أوقاف المسلمين بمثل ذلك وتحررت به الحجج الشرعية وحكم به من حكم الشريعة الحنفية بين ظهرانى العلماء فى كل زمان) انتهى والذى قاله ابن عابدين فيما يتعلق بالاستئجار على تلاوة القرآن المجردة عن التعليم وما ماثل ذلك وأخذ الأجرة على ذلك هو الموافق للقواعد الشرعية ولنصوص المذهب وإن كان محالفا لعمل الناس فإن عمل الناس لا يكون حجة مع مخالفته النصوص الشرعية وأما ماقاله الأستاذ الشيخ المهدى من أن التعليل بالضرورة وتكاسل الناس لامانع من تحقيقه فى مثل ذلك فهو ممنوع لأنه لابد فى جواز أخذ الأجرة على الطاعة من تحقق الضرورة بالفعل كما هو مقتضى فتوى المتأخرين.

ولا يمكن القول بأن تلاوة القرآن المجردة عن التعليم تتحقق فيها الضرورة بالفعل فإنها غير محققة قطعا ومجرد عدم المانع من تحققها فى ذلك لا يكفى.

ومن ذلك يعلم أن قول المتقدمين والمتأخرين على عدم جواز الاستئجار على قراءة القرآن المجردة عن التعليم وعدم جواز أخذ الأجرة عليها فلا يستحق القارىء أجرة إذا استؤجر لمجرد تلاوة القرآن ولا يحل له أخذ الأجرة على ذلك كما لا يحل للمعطى أن يعطيه والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>