[السراويل]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل لبس النبى صلى الله عليه وسلم السراويل؟
الجواب
جاء فى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج ٥ ص ٤٣" أن العلماء اختلفوا: هل لبس النبى صلى الله عليه وسلم السراويل أم لا؟ فجزم بعضهم بأنه لم يلبسها، مستأنسين بما جزم به النووى فى ترجمة عثمان ابن عفان من كتابه "تهذيب الأسماء واللغات " أنه لم يلبسها فى جاهلية ولا إسلام إلا يوم قتله، مخافة أن تظهر عورته، ثم ذكر القسطلانى حديثا بسند ضعيف جدا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتراها من السوق، وأن أبا هريرة الذى كان يريد أن يحملها عنه قال أتلبس السراويل؟ فأجابه أنه يلبسها فى السفر والحضر وبالليل والنهار لأنه أمر بالستر ولم يجد أستر منها.
ثم ذكر أنه اشتراها من السوق، بسند صحيح عن أحمد وأصحاب السنن وذلك قبل الهجرة، وإذا صح أنه اشتراها فهل كان ليلبسها هو أو ليلبسها غيره؟ ذكر ابن القيم فى زاد المعاد أن الظاهر من شرائه لها أنه كان ليلبسها، ووافقه بعض العلماء على رأيه وخطأه آخرون. وإذا كان البخارى قد ترجم فى كتاب اللباس من صحيحه باب السراويل، فقد ذكر سؤال رجل مُحْرِم للنبى صلى الله عليه وسلم عما يلبس عند الإحرام فنهاه عن القميص والسراويل والعمائم والبرانس والخفاف، وهو لا يدل على أن النبى كان يلبسه، بل إن بعض الصحابة كانوا يلبسونه ونهى عن لبسه فى الإحرام.
ثم ذكر الزرقانى حديثا عن أبى هريرة مرفوعا رواه أبو نعيم أن إبراهيم الخليل أول من لبس السراويل. ولذا كان أول من يكسى يوم القيامة كما فى الصحيحين.
هذا ما قيل فى موضوع السراويل إذ ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم اشتراها قبل الهجرة فإنه لم ينه عنها لأن البعض كان يلبسها فى المدينة؟ ومنع من لبسها فى الإحرام لكن لبسه لها لم يثبت بطريق صحيح، وإذا كان عثمان بن عفان أو غيره لم يلبسها فليس معنى ذلك أنه اقتدى فيها بالنبى صلى الله عليه وسلم فقد كان يلبسها قبل إسلامه، وما دام لم يرد فيها منع عن لبسها فلبسها جائز استصحابا للأصل فى حل ما لم يرد فى تحريمه نص، أما كون الرسول لبسها أو لم يلبسها فلم يثبت فى ذلك شىء.
ولهذا لا يثار القول عن الاقتداء بالرسول فيه، والمسلمون يلبسونها من زمن طويل، ولم ينكر عليهم أحد ممن يعتد بإنكاره وأرى عدم الجدوى فى الكلام فى هذا الموضوع.
جاء فى غذاء الألباب "ج ٢ ص ٢٠١" روى الإمام أحمد بسند جيد عن أبى أمامة رضى الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار. .. وجاء فيه فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون فقال "تسرولوا وأتزروا وخالفوا أهل الكتاب " وهو حديث حسن. ولا عبرة بتضعيف ابن حزم وابن الجوزى له. فى الصحيحين عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات "من لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم " وبهذا استدل الإمام أحمد على أنها كانت معروفة عندهم.
وذكر أن إبراهيم كان أول من لبس السراويل حين اشتكى إلى الله حياءه من رؤية الأرض لمذاكيره فهبط جبريل بخرقة من الجنة ففصلها جبريل سراويل وخاطتها سارة. ثم ذكر اختلاف العلماء هل لبسها النبى أو لا. فروى أنه لبسها كما لبسها إبراهيم وموسى، وروى عن غير واحد أنه أمر به. وذكر ابن الجوزى وأخرجه ابن حبان عن بريدة أن النجاشى كتب إلى الرسول، إنى قد زوجتك امرأة من قومك وهى على دينك أم حبيبة بنعت أبى سفان وأهديت لك هدية جامعة قميصا وسراويل وعطافا - طيلسان - وخفين ساذجين فتوضأ النبى ومسح عليهما. وأخرج ابن حبان عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدى برا من هجر إلى مكة فأتانا رسول الله فاشترى سراويل، وثم وازن يزن بالأجر، فقال "إذا وزنت فأرجح " وأخرجه أحمد أيضا من حديث مالك بن عميرة الأسدى.. .
قال فى الفتح: وما كان ليشتريه عبثا وإن كان غالب لبسه الإزار، وأخرج أبو يعلى والطبرانى فى الأوسط من حديث أبى هريرة: دخلت يوما السوق مع رسول الله فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم. . . وفيه فقلت يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل؟ فأجابه أنه يلبسها فى السفر والحضر وبالليل والنهار، لأنه أمر بالستر ولم يجد أستر منها.
هذا، ولولا أن السؤال وُجِّه إلىَّ من بعض البلاد الإسلامية ما أطلت فى الإجابة عليه، ذلك أن الملابس تخضع لظروف كثيرة لا يمنع منها إلاَّ ما نُصَّ عليه فى المادة والشكل. ومشكلاتنا الضاغطة فى هذه الأيام أولى بالبحث فى إيجاد حَلٍّ لها حتى لا نتخلف عن الركب فى سيره الحثيث