[آدم وحواء]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ورد سؤال من عميد كلية التربية بالجامعة الإسلامية الحكومية في سومطرة الشمالية بإندونسيا سنة ١٩٧٢ م يقول: ظهر كتاب حديث في إندونسيا بعنوان "القرآن وتاريخ الإنسانية " قرر فيه مؤلفه بإسهاب أن أول الإنسان هو أنثى لا رجل وأن أهل الأديان جميعا أخطأوا فى قولههم: إن أول البشر آدم، واستدل بأدلة عقلية وعملية، مستأنسا بقوله {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفًا فمرت به} ويسأل:
١ - هل يجب الاعتقاد بأن أول البشر هو آدم عليه السلام، وما حكم من قال: إن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل؟ .
٢-هل يوجد من علماء المسلمين سلفا وخلفا من يقول بأن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل؟
الجواب
اعلم أن القرآن لم ينزل ليعلم الناس حقائق علمية في المجالات المختلفة، ولكنه نزل للإعجاز والهداية، يحدد ما يجب تحديده كالعقائد والعبادات، ويضع أصولا كلية وأوامر عامة فيما يختلف باختلاف البيئات والعصور، غير أنه إذا وردت فيه مسائل علمية بقصد الإعجاز والهداية فإنها حق لا شك فيه حتى لو لم يفهمهما الناس، فإن جهلها لا يضر، أو أن الزمن كفيل ببيان المراد منها عندما تكتمل أدوات المعرفة.
وقد نصح العلماء بعدم الإسراع لربط المكتشفات الحديثة بالقرآن، فقد تكون هذه المكتشفات ما تزال في طور النظرية القابلة للتغيير، فلا ينبغي أن تحمل عليها آيات القران حملا قد يكون فيه تعسف -، وقد يضر بتقدير الناس للقرآن عندما يتبين أن هذه النظريات خطأ.
وتاريخ الإنسانية الذي يشير إليه عنوان الكتاب ومحاولة معرفته عن طريق القرآن ليس من المسائل الجوهرية في الدين، فلم يكلفنا الله بمعرفته ولم يوجب علينا اعتقاد ما ليس فيه نص عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
ومهما يكن من شيء فإليك ما يأتي خاصا بهذا الموضوع.
١ - سيدنا آدم هو الخليفة في الأرض قال تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} البقرة: ٣٠، فالملائكة لم تكن تعرفه من قبل، وكانوا يظنون أنه سيفسد كما أفسد من قبله، ولن يكون على مثالهم هم من الطهر ودوام الطاعة للَّه، فهو خلق جديد عليهم.
٢ - خلق آدم من تراب مبلل بالماء فصار طينا، ولحث أمر اللَّه الملائكة بالسجود له امتنع إبليس، قال تعالى {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} ص: ٧١- ٧٤، وقد برر إبليس امتناعه عن السجود بقوله {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} ص: ٧٦، فآدم خلق غير معروف من قبل للملائكة ولإبليس، فهو جديد عليهم ليس له مثال سابق.
٣- إن البشر جميعًا منسوبون لأصلهم الأول وهو آدم، قال تعالى {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} الأعراف: ٢٧، فآدم أول المخلوقات البشرية.
٤ -إن اللَّه خلق من نفس آدم - أي مادته وهي التراب، أو من جسده بعد أن سواه ونفخ فيه الروح وهذا لم يدل عليه دليل قاطع -خلق من نفس آدم زوجها ليسكن إليها ويأنس بها وهي حواء، قال تعالى {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف: ١٨٩.
والنفس المذكورة هي آدم، ولفظ النفس مؤنث وإن كان معناه قد يكون مذكرًا، فهو يطلق على الذكر والأنثى، مثل لفظ شخص يصلح لإطلاقه على كلا النوعين، ولفظ الزوج يطلق على الرجل والمرأة فيقال: علي زوج فاطمة، وفاطمة زوج علي، وهما زوجان، والمراد بالزوج في هذه الآية حواء الأنثى قال تعالى {واللَّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} النحل: ٧٢، فالخطاب لبني آدم الذكور، والمنة عليهم بأن جعل اللَّه لهم من أنفسهم زوجات نساء، ومن هؤلاء الزوجات يأتي البنون والحفدة، فالرجال هم الأصل والنساء تبع لهم.
٥ -خلق اللَّه آدم أولا ثم خلق حواء، قال تعالى {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها} الزمر: ٦، فالتعبير بلفظ "ثم " يفيد الترتيب في الزمن أو الرتبة، وهو على كل حال يفيد سبق آدم لحواء، ووجه اللَّه الخطاب في القرآن لآدم وجعل حواء زوجه تبعًا له، وهو يشعر بتقدم آدم عليها. قال تعالى {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} البقرة: ٣٥، وكما تشير إليه آية سورة النحل السابقة "بند ٤ ".
٦ - ضمير الخطاب والغيبة في الآيات المذكورة كلها مذكر وليس مؤنثًا فآدم ذكر وليس أنثى {اسكن أنت وزوجك الجنة} في ذا سوَّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} .
نخلص من هذا إلى حقيقتين أولاهما أن آدم هو أول البشر على الإطلاق وثانيهما أنه ذكر لا أنثى، واللغة العربية التى نزل بها القرآن هى التي أوصلتنا إلى هذا الاستنتاج ولم نجد فيما اطلعنا عليه أن أحدا من العلماء المسلمين قال غير ذلك، فصار إجماعًا مستندًا إلى ما ذكر من الأدلة.
وفي الختام أقول: إن محاولة التشكيك في أن أول البشر ذكر هو آدم ممهدة للقول بنظرية "داروين " في أصل الأنواع وفي النشوء والارتقاء التي تجوز أن آدم جاء نتيجة لتطورات خلقية سابقة، قد يكون مبدؤها أصلاً أنثويًا وجدت فيه الروح، فكان الكائن الحي الذي تطور إلى آدم البشر السوي، ومعروف أن نظرية "داروين " لم تسلم من النقد، ورفضها أكثر العلماء المحققين، لأنها تقوم على افتراضات غير ثابتة يقينًا.
ومع ذلك فقد قلت فيما سبق:إن المسألة ليست اعتقادية ولا تتوقف صحة الإيمان عليها، غير أن من خالف مواضعات اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم كان معرضا للانزلاق إلى استنباطات واهية ونتائج غير صحيحة قد تمس حقائق الدين المتفق عليها فيضل ويشقى. وهذا إلحاد في التفكير يخشى أن يندرج تحت قوله تعالى {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} فصلت: ٤٠