هل من الحديث ما يقال:"تعلموا السحر ولا تعملوا به " وهل يتفق هذا مع قوله تعالى: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} البقرة: ١٠٢؟
الجواب
لم أعثر على حديث بهذا اللفظ، وليكن معلوما أن العلم بالسحر غير العمل به، وقد جاء فى حديث الصحيحين أن السحر من السبع الموبقات، أى من الكبائر فهل المقصود هو العمل به أو العلم رأى جماعة أن المحرم هو العمل به مطلقا فى الضر والنفع سدا للذريعة، ورأى آخرون جواز العمل به فى النفع، قال القرطبى فى تفسيره: واختلفوا،هل يسأل الساحر حل السحر عن المسحور؟ فأجازه سعيد بن المسيب على ما ذكره البخارى، وإليه مال المزنى، وكرهه الحسن البصرى، وقال الشعبى: لا بأس بالنُّشرة، قال ابن بطال: وفى كتاب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ عليه آية الكرسى، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله تعالى، وهو جيد للرجل إذا حُبس عن أهله، هكذا جاء فى تفسير القرطبى ونقله عنه ابن حجر الهيتمى فى كتابه "الزواجر" ولم يعترض عليه.
ومهما يكن من شىء فإن أية وسيلة تنتج خيرا ولا تنتج شرا وليس هناك نص قاطع يمنعها ولا تصادم أصلا مقررا تكون مشروعة والنهى عن السحر شديد، لأنهم كانوا يعتقدون أنه مؤثر بنفسه بعيدا عنه إرادة الله تعالى، وذلك هو الكفر الذى من أجله حرمه الإسلام وجاء فيه قوله تعالى:{وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله} البقرة: ١٠٢، هذا هو حكم العمل به.
أما تعلم السحر فرأى جماعة منعه مطلقا وروى فيه ابن مردويه حديثا بسند فيه ضعف وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات والزكاة، وكان فيه بيان لأكبر الكبائر، ومنها تعلم السحر، وذلك لأن تعلمه سيجره إلى العمل به وسيغريه بإيقاع الضرر بالناس، لكن جاء فى"الزواجر" لابن حجر ج ٢ ص ١٠٣ قال الفخر: واتفق المحققون على أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور، لأن العلم لذاته شريف لعموم قوله تعالى:{قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون} الزمر: ٩.
ولو لم يعلم السحر لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة، والعلم بكون المعجز معجزا واجب، وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب فهذا يقتض أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا، وما يكون واجبا كيف يكون حراما وقبيحا؟ ونقل بعضهم وجوب تعلمه على المفتى حتى يعلم ما يقتل منه وما لا يقتل فيفتى به فى وجوب القصاص. انتهى.
وابن حجر لم يوافق على رأى الفخر الرازى الذى نقله عنه، وقرر أن تعلمه حرام، وتجب التوبة منه، ويرجع إلى الزواجر لمعرفة وجهة نظره، وإن كنت أختار رأى الفخر الرازى على حد قول القائل:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الناس يلاقيه