كان النبى صلى الله عليه وسلم يتعبد فى غار حراء قبل البعثة، فبماذا كان يتعبد؟
الجواب
ذكر القرطبى فى تفسيره "ج ١٦ ص ٥٧" أن العلماء تكلموا فى النبى صلى الله عليه وسلم هل كان متعبدا بدين قبل الوحى أم لا، فمنهم من منع ذلك مطلقا وأحاله عقلا، قالوا لأنه يبعد أنه يكون متبوعا من عُرف تابعا، وبنوا هذا على التحسين والتقبيح، وقالت فرقة أخرى بالتوقف وترك قطع الحكم عليه بشىء فى ذلك، حيث لا دليل على شىء بالعقل أو النقل، وهذا مذهب أبى المعالى، وقالت فرقة ثالثة: إنه كان متعبدا بشرع من قبله وعاملا به، ثم اختلف هؤلاء فى التعيين، فذهبت طائفة إلى أنه كان على دين عيسى، فإنه ناسخ لجميع الأديان والملل قبله فلا يجوز أن يكون النبى على دين منسوخ، وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين إبراهيم، لأنه من ولده وهو أبو الأنبياء، وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين موسى، لأنه أقدم الأديان (هكذا) وذهبت المعتزلة إلى أنه لابد أن يكون على دين، ولكن عين الدين غير معلومة عندنا.
وقد أبطل هذه الأقوال كلها أئمتنا، إذ هى أقوال متعارضة وليس فيها دلالة قاطعة وإن كان العقل يجوَّز ذلك كله، والذى يقطع به أنه عليه السلام لم يكن منسوبا إلى واحد من الأنبياء نسبة تقتضى أن يكون واحدا من أمته ومخاطبا بكل شريعته، بل شريعته مستقلة بنفسها مفتتحة من عند الله الحاكم جل وعز وأنه صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا بالله عز وجل، ولا سجد لصنم ولا أشرك بالله، ولا زنى ولا شرب الخمر، ولا شهد السامر- الموضع الذى يجتمعون للسمر فيه، ولا حضر حلف المطر (هكذا) ولا حلف المطيبين - القائم على نصرة المظلوم وصلة الأرحام - بل نزهه لله وصانه عن ذلك.
ولا يعترض على ذلك بقوله تعالى {قل بل ملة إبراهيم حنيفا} البقرة: ١٣٥ وبقوله {أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} النحل:١٢٣، وبقوله {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} الشورى: ١٣، فهذا يقتضى أنه كان متعبدا بشرع - فالجواب أن ذلك فيما لا تختلف فيه الشرائع من التوحيد وإقامة الدين، أما تفاصيل الشرائع فلم يعرفها حتى جاء الإسلام