[موسى وملك الموت]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن موسى عليه السلام لطم ملك الموت عندما أراد أن يقبض روحه؟
الجواب
إضافة إلى ما تقدم فى صفحة ٦٤٣ من المجلد الأول من هذه الفتاوى أقول: روى مسلم عن أبى هريرة قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال:
أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله بليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعره سنة، قال: أى رب ثم مَه؟ قال ثم الموت، قال فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلو كنت ثمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر ".
قال القرطبى "ج ٦ ص ١٣٢ " واختلف العلماء فى تأويل لطم موسى عين الملك وفقئها على أقوال، منها: أنها كانت عينا متخيلة لا حقيقية، وهذا باطل، لأنه يؤدى إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له، ومنها أنها كانت عينا معنوية، وإنما فقأها بالحجة. وهذا مجاز لا حقيقة، ومنها أنه عليه السلام لم يعرف ملك الموت، وإنما رأى رجلا دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه، فدافع عن نفسه فلطم عينه ففقأها. وتجب المدافعة فى هذا بكل ممكن، وهذا وجه حسن، لأنه حقيقة فى العين والصك. قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة، غير أنه اعترض عليه بما فى الحديث، وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال: يا رب أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت، فلو لم يعرفه موسى لما صدق القول من ملك الموت. وأيضا قوله فى الرواية الأخرى: أجب ربك. يدل على تعريفه بنفسه. والله أعلم.
ومنها أن موسى عليه الصلاة والسلام كان سريع الغضب، إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته ورفع شعر بدنه جبته، وسرعة غضبه كانت سببا لصكه ملك الموت. قال ابن العربى: وهذا كما ترى، فإن الأنبياء معصومون من أن يقع منهم ابتداء مثل هذا فى الرضا والغضب.
ومنها -وهو الصحيح من هذه الأقوال -أن موسى عليه الصلاة والسلام عرف ملك الموت، وأنه جاء ليقبض روحه، لكنه جاء مجىء الجازم بأنه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير، وعند موسى ما قد نص عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من "أن الله لا يقبض روح نبى حتى يخيره " فلما جاء على غير هذا الوجه الذى أعلم، بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدبه، فلطمه ففقأ عينه امتحانا لملك الموت، إذ لم يصرح له بالتخيير.
ومما يدل على صحة هذا أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم، والله بنبيه أحكم وأعلم، هذا أصح ما قيل فى وفاة موسى عليه السلام، وقد ذكر المفسرون فى ذلك قصصا وأخبارا الله أعلم بصحتها، وفى الصحيح غنية عنها. وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة، فيروى أن يوشع رآه بعد موته فى المنام فقال له: كيف وجدت الموت؟ فقال: كشاة تسلخ وهى حية، وهذا صحيح معنى. قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح "إن للموت سكرات " انتهى ما قاله القرطبى.
وجاء فى "مشارق الأنوار" للعدوى ص ١٤: اخرج أحمد والبزار وصححه عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كان ملك الموت يأتى الناس عيانا، فأتى موسى عليه السلام فلطمه ففقأ عينه. .
. " فكان بعد يأتى الناس خفية وذكر العارف الشعرانى - بعد أن حكى رواية للإمام الترمذى بمثل هذا -إنما فقأ موسى عين ملك الموت بإذن من ربه عز وجل لأنه معصوم، ولذلك لم يعاقبه الله على ذلك.
وجاء فى كتاب "تأويل مختلف الحديث " لابن قتيبة الدينورى المتوفى سنة ٢٧٦ هـ "ص ٨٦" أن الله أعطى الملائكة قوة تتشكل بها كما تشاء، كما أعطى الجن هذه القوة، ثم قال: ولما تمثل ملك الموت لموسى عليه السلام، وهذا ملك الله وهذا نبى الله، وجاذبه لطمه موسى لطمة أذهبت العين التى هى تخييل وتمثيل، وليست حقيقة، وعاد الملك إلى حقيقة خلقته الروحانية كما كان لم ينتقص منه شىء