نرجو تفسير قوله تعالى {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} الأحزاب: ٧٢
الجواب
فى تفسير هذه الآية كلام كثير، وبخاصة فى بيان المقصود من الأمانة، لكن الجمهور على أن الأمانة تعم جميع التكاليف الشرعية، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال: إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا، ليس معصية لله ولكن تعظيما لدين الله ألا يقوموا به.
ويروى فى ذلك أثر عن الترمذى الحكيم عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" قال الله تعالى لآدم: يا آدم إنى عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت حاملها بما فيها؟ فقال: وما فيها يا رب العالمين؟ قال: إن حملتها أُجرت، وإن ضيعتها عُذِّبت. فاحتملها بما فيها، فلم يلبث فى الجنة إلا قدر ما بين صلاة الأولى إلى العصر حتى أخرجه الشيطان منها".
فالأمانة هى التكاليف، وترتب الثواب على أدائها والعقاب على تضييعها لا بد له من حرية واختيار والمخلوقات غير الإنسان ليست لها هذه الحرية، فهى مسيرة بقوانين ثابتة لا تملك الخروج عليها، ولا تتحقق بها الطاعة والمعصية. ومن هنا كان الإنسان أصلح المخلوقات للعيش على الأرض، ومتناسبا مع ما فيها من ماديات ومعنويات متقابلة بالتضاد أو التناقض. وهذا تكريم من الله للإنسان حيث اختاره لحمل هذه الأمانة.
وليس قوله {إنه كان ظلوما جهولا} نقضا لهذا التكريم، فإن مجرد استعداده لتلقى التكاليف دون غيره من المخلوقات هو مناط التكريم، وكونه يفى بالعهد أو ينقض هو مظهر من مظاهر الاستعداد الذى ليس لغيره. فهو ظلوم إن تعدى حدود التكليف وهو يعلم بها، وجهول إن كان لا يعلمها وعنده أمانة العقل الذى يهديه إلى علمها، وليس هناك كائن غير الإنسان يوصف بالظلم والجهل، لأنه لا يعرف حدا يقف عنده. وما وصف الإنسان بالظلم والجهل إلا لأنه يصح أن يوصف بضدهما من العدل والعلم كما قال المحققون. هذا بعض ما قيل فى تفسير الآية، ولعل فيه الكفاية.