[النظافة من الإيمان]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال النظافة من الإيمان " وهل الذين لا يعنون بالنظافة على خطا أم على صواب؟
الجواب
جاء فى إحياء علوم الدين للإِمام الغزالى "ج ١ ص ١١١ " فى أول كتاب أسرار الطهارة قوله: قال النبى صلى الله عليه وسلم "بنى الدين على النظافة" وقال " الطهور نصف الإِيمان " وعلق العراقى على الأول فقال: لم أجده هكذا، وفى الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة " تنظفوا فإن الإسلام نظيف " والطبرانى فى الأوسط بسند ضعيف جدا من حديث ابن مسعود " النظافة تدعو إلى الإِيمان " وعلق على الثانى بقوله بالرمز: رواه الترمذى من حديث رجل من بنى سليم وقال: حسن. ورواه مسلم من حديث أبى مالك الأشعرى بلفظ " شطر".
فاللفظ المذكور فى السؤال والجارى على الألسنة ليس واردا عن النبى صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد عنه تقدير النظافة بعبارات أخرى. ولا شك أن النظافة لها تقديرها الكبير فى التشريع الإِسلامى، لأنها من العوامل الأساسية فى المحافظة على الصحة التى هى من أكبر نعم الله على الإنسان كما صح فى الحديث " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ " رواه البخارى. وللنظافة مجالات كثيرة.
ففى نظافة البدن شرع الوضوء للصلوات الخمس فى اليوم والليلة، بما فيه من تعهد للأعضاء التى يكثر تعرضها للتلوث، وبما فيه من حث على العناية بالاستنشاق والمضمضة مع استعمال السواك وتأكيد استحبابه، وشرع الغسل لأسبابه المعينة، وندبه فى مناسبات عدة، وبخاصة عند الاجتماع والازدحام، كما فى صلاة الجمعة والعيدين، وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "حق على كل مسلم أن يغتسل فى كل سبعة أيام يوما، يغسل فيه رأسه وجسده " وروى مسلم حديث. " إن الله جميل يحب الجمال " وندب إلى التزين والتعطر وحسن الهندام وتسوية الشعر وقص الأظافر وإزالة شعر الإبطين والعانة وما إلى ذلك من ضروب النظافة.
وشرع غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده، وعدم غمسهما فى الماء قبل غسلهما إذا استيقظ من نومه فإنه لا يدرى أين باتت يده - وبخاصة من ينامون فى العراء ويفترشون الرمال بجوار الإِبل والحيوانات الأخرى - وحذر من النوم قبل غسل اليدين من أثر الطعام وبخاصة إذا كان فيه دسم تجذب رائحته الهوام والحشرات فتضره، وكل ذلك وردت به الأحاديث.
وفى نظافة الملبس والمسكن والشارع والأمكنة العامة يقول سبحانه {وثيابك فطهِّر} المدثر: ٤ وباب النجاسات وإزالتها واشتراط طهارة الثوب والمكان فى الصلاة واضح ومفصَّل فى كتب الفقه. وفى الحديث " أصلحوا رِحالكم ولباسكم حتى تكونوا فى الناس كأنكم شامة" رواه أحمد. وفى مسند البزار أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود. فنظفوا أفناءكم وساحاتكم، ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكب فى دورهم " الأكب الزبالة، وإصلاح الرحال أى المساكن عام يشمل كنسها وتهويتها وتعريضها للشمس وتطهيرها من الحشرات المؤذية وما إلى ذلك.
وحث الإِسلام على إماطة الأذى عن الطريق وعدها صدقة كما رواه البخارى ومسلم، وفى الحديث " اتقوا الملاعن الثلاث، البراز على قارعة الطريق وموارد المياه ومواقع الظل " رواه ابن ماجه وأبو داود، وندب إلى تغطية أوانى الطعام والشراب، حفظا لها من التلوث أو الفساد بما ينقله الريح أو الذباب مثلا كما رواه مسلم.
هذه بعض التشريعات التى تدل على عناية الإِسلام بالنظافة فى كل شىء وليست النظافة فى الماديات فقط بل فى المعنويات أيضًا من العقائد والأفكار والأقوال والأفعال والضمائر والنيات وما إليها.
والذين يهملون فيها مخطئون، لا نحب أن يكونوا كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ولا ننسى فى هذا المجال حرمة تلويث البيئة بأى ملوث حتى بالرائحة الكريهة، كالدخان والثوم والبصل والعرق، وحتى بالأصوات المزعجة المقلقة للراحة ولو كانت بذكر الله، وكل ذلك وردت به الآثار والمقصِّرون مخطئون