ما معنى قوله تعالى {ولله المشرق والمغرب} وكيف نوفق بينه وبين الآيات التى فيها مشرقان ومغربان ومشارق ومغارب؟
الجواب
قال تعالى {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} المزمل: ٩، وقال تعالى {رب المشرقين ورب المغربين} الرحمن: ١٧، وقال {فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون} المعارج: ٤٠، خلاصة كلام المفسرين أن المقصود بالمشرق والمغرب فى الآية الأولى مشرق الشمس ومغربها، أى الجهة التى تشرق منها والجهة التى تغرب فيها، والمراد الجهات كلها، فليس هناك فى الوجود كله إله يستحق العبادة إلا الله سبحانه، ويلتقى هذا مع قوله تعالى {وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله} الزخرف: ٨٤، أى مالك الكون كله. والمقصود بالمشرقين والمغربين فى الآية الثانية مشرق الشمس ومشرق القمر، ومغرب الشمس ومغرب القمر، فلكل منهما مشرق ومغرب، وقيل:
المراد من المشرقين والمغربين مشرقا الشمس ومغرباها، وذلك صيفا وشتاء، حيث يكون شروقها من أقص منزلة فى الشمال ومن أقصى منزلة فى الجنوب، وكذلك غروبها فى أقصى منزلة فى الشمال وفى الجنوب، وهذا مشاهد لكل عين، حيث يختلف مطلع الشمس ومغربها صيفا وشتاء. والله سبحانه هو الذى يقدر حركات الكون، فتأخذ أجزاء الأرض أوضاعا من الشمس يكون منها الصيف والشتاء وبقية الفصول، وتتراءى لنا الشمس كأنها هى التى تعلو وتنخفض عند الشروق والغروب، وتجرى فى مسارات مختلفة باختلاف الفصول، ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه. والمقصود بالمشارق والمغارب فى الآية الثالثة، إما مشارق الشمس ومغاربها، وإما مشارق جميع النجوم ومغاربها، فإن كان المقصود الأول فإن الشمس - فى المسافة التى بين أقصى ارتفاع وأقصى انخفاض لها بحسب رؤية العين صيفا وشتاء - تشرق كل يوم من منزلة وتغرب فى منزلة، أى مشرق جديد ومغرب جديد. ولا تتكرر المنزلة فى الشروق والغروب إلا مرتين فى السنة الشمسية حين تمر عليها الشمس شمالا وجنوبا وإن كان المراد الثانى وهو مشارق جميع النجوم ومغاربها فالأمر واضح فى الكثرة، لأن لكل منها مشرقا ومغربا، بل مشارق ومغارب. هذا ولا تتنافى كثرة المشارق والمغارب للشمس مثلا كما تدل عليه الآية الثالثة - مع الإخبار بمشرقين ومغارب كثيرة بتعدد المنازل كما ذكرنا، كما لا تتنافى الآيتان الأخيرتان مع الآية الأولى التى ذكر فيها مشرق واحد ومغرب واحد، لأن المراد - كما قال المفسرون - جهة الشروق وجهة الغروب وفى كل من الجهتين منزلة لشروق الشمس وغروبها إجمالا ومنازل تفصيلا. وقال بعض المفسرين. المراد بالمشرق والمغرب فى هذه الآية الجنس لا الوحدة والجنس يصدق بالواحد والاثنين والثلاثة وما بعدها، فلا تنافى بين الاَية والآيتين الأخريين. والمراد بالمشرقين والمغربين فى الآية الثانية جنس المشرقين للشمس والقمر وجنس المغربين لهما، وهو يصدق بالواحد والمتعدد.
وبهذا يعلم أنه لا تضارب بين آيات القران الكريم مطلقا، لأن القرآن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ولو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وإذا كان هناك تضارب فهو بحسب الظاهر لا بحسب الحقيقة. فلا يجوز أن يوجه الطعن إليه قبل التدبر والفهم فكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم