[الإحرام لدخول الحرم]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز للإنسان أن يدخل الحرم المكى دون أن يكون محرما بحج أو عمرة؟
الجواب
خلاصة الآراء فى هذه المسألة ما يأتى:
الذى يقصد الحجاز أى المنطقة التى فيها الحرم المكى إما أن يكون مريدا للنسك، أى الحج أو العمرة، وإما ألا يكون مريدا لذلك، كأن يريد زيارة صديق أو قضاء أية مصلحة أخرى.
ولكل حكمه:
ا - فالذى يريد النسك لا يجوز له أن يجاوز الميقات المعروف للقادمين لحج أو عمرة إلا بالإحرام، ودليله أن النبى صلى الله عليه وسلم وقَّت المواقيت وقال فيما قال: " هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن لمن أراد الحج أو العمرة " رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس. بأن جاوز الميقات بدون إحرام وجب عليه أن يرجع إليه ويحرم منه، فإن لم يرجع وأحرم من مكانه يلزمه دم أى ذبح شاة.
٢- أما من لا يريد النسك فهو على قسمين:
(١) قسم لا يريد النسك ولا يريد دخول الحرم المكى-والحرم له حدود معينة غير المواقيت -بل يريد حاجة فى غيره من المناطق، كجدة أو المدينة المنورة مثلا، فهذا لا يلزمه الإحرام ولا يجب عليه شىء فى تركه، وهذا باتفاق العلماء، والدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه تجاوزوا ميقات المدينة - وهو ذو الحليفة أو آبار على - أكثر من مرة لغير النسك فى غزوة بدر وغيرها وكانوا غير محرمين، ولم يروا بذلك بأسا.
(ب) وقسم لا يريد النسك ولكن يريد دخول الحرم، وهذا القسم طوائف:
١ - طائفة تريد دخوله لقتال مشروع أو للأمن من خوف، وهذه الطائفة لا يجب عليها الإحرام، والدليل ما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر. قال مالك: ولم يكن رسول الله يومئذ محرما. وكذلك ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام.
٢ - طائفة تريد دخوله لحاجة متكررة تقتضى كثرة التردد على الحرم، ومثل العلماء لها بالحطابين وناقلى المؤن ومن له ضيعة أو تجارة داخل الحرم أو خارجه ومثلهم المدرسون والموظفون الذين يخرجون من الحرم أو يدخلونه عدة مرات. وهذه الطائفة كالطائفة السابقة لا يجب عليها الإحرام عند دخول الحرم، لأن تكليفهم الإحرام لكل دخول فيه حرج، والدين لا حرج فيه، والنصوص فى ذلك كثيرة مشهورة. واستأنسوا بقول ابن عباس: لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين. لكن سند الرواية عنه ضعيف.
٣- طائفة تريد دخول الحرم لا لقتال ولا لحاجة متكررة كالطائفتين السابقتين، وهؤلاء كالسائحين والزائرين والمكلفين بمهمات مؤقتة.
وفيهم ثلاثة أقوال:
(١) قول يلزمهم الإحرام عند دخول الحرم، وهو مروى عن ابن عباس. أخرج البيهقى عنه: " لا يدخل أحد مكة. إلا محرما " وإسناده جيد، ورواه ابن عدى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم من وجهين ضعيفين. وهذا مذهب أحمد فى ظاهره، ومذهب الشافعى فى أحد أقواله.
(ب) قول يجعلهم كالحطابين وأمثالهم لا يوجب عليهم الإحرام، وهو مذهب الشافعى فى قوله الآخر. ومذهب أحمد فى رواية عنه.
ودليلهم أن ابن عمر رجع من، بعض الطريق ودخل مكه غير محرم، وإذا قيل بسقوط هذا الدليل لأنه معارض بما ورد عن ابن عباس فى لزوم الإحرام قالوا: كان المسلمون فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام، كقصة الحجاج بن علاط وقصة أبى قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال، وكان النبى قد أرسله لغرض قبل الحج، فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة، فقرره صلى الله عليه وسلم. وقالوا أيضا: إن الحرم المكى أحد الحرمين - مكة والمدينة - فلا يلزم الإحرام لدخوله كما لا يلزم لدخول الحرم المدنى. ثم قالوا:
وجوب الإحرام للدخول يكون من الشارع ولم يرد منه إيجاب بذلك على كل داخل، فيبقى الدخول على الأصل وهو الحل. وهذا القول قواه كثير من العلماء المحققين.
(ج) قول ثالث لأبى حنيفة وهو التفصيل، فإن كان من يريد دخول الحرم داخل المواقيت جاز دخوله بغير إحرام، لأنه يعد كأنه داخل الحرم نفسه، وإن كان خارج المواقيت يلزمه الإحرام لدخول الحرم، كما ذهب إليه أصحاب القول الأول.
هذا عرض لما قيل فى هذا الموضوع، معاملة من يدخلون الحرم لأمر مؤقت. أو من يخرجون منه لحاجة مؤقتة ثم يعودون إليه -كمعاملة الحطابين وأمثالهم هو ما يؤيده الدليل ويقتضيه رفع الحرج فى الدين. قال ابن القيم فى زاد المعاد بعد عرض الأقوال: وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم فى المجاهد-أى لا إحرام عليه - ومريد النسك - أى فى وجوب الإحرام - وأما من عداهما فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله أو أجمعت عليه الآمة