[حياة الأنبياء فى قبورهم]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن الأنبياء أحياء في قبورهم،وكيف نوفق بين حياتهم فيهما وقوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} ؟
الجواب
معلوم أن كل كائن حى لابد أن يموت، قال تعالى {كل نفس ذائقة الموت} آل عمران:١٨٥، وقال تعالى {كل من عليها فان} سوة الرحمن:٢٦، وقال تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} سوررة الأنبياء: ٣٤، ويقول تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: ٣٠،.
وبعد موت الإنسان ستكون هناك حياة له من نوع آخر، فإذا فنى الجسد وصار ترابا فالروح باقية، ولها اتصال إلى حد ما بالجسد تختلف درجات هذا الاتصال من شخص لاَخر، وقد قال الله سبحانه فى الشهداء {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: ١٦٩،.
وبخصوص الأنبياء روى أبو داود والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه، وإن صلاتكم تعرض علىَّ" قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت -بفتح الراء -يعنى بليت؟ فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " وروى أبو داود أيضًا حديث "ما من أحد يسلم علىَّ إلا رد اللَّه علىَّ روحى حتى أرد عليه السلام " وروى أحمد والنسائى والحاكم وصححه وغيرهم حديث "إن لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى عن أمتى السلام ".يقول السيوطى فى كتابه "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء": حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره وحياة سائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا، لكثرة الأدلة وتواتر الأخبار، وقد ألف البيهقى جزءا في حياتهم، ومن الأخبار ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به مر على موسى وهو قائم يصلى في قبره، وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفى السماء.
جاء فى وصف موسى عندما مر به "فإذا هو رجل ضرب جعد كأنه رجل من شنوءة"ومعنى ضرب متوسط الحجم أو ضعيف اللحم، ومعنى جعد شعره غير سبط، وشنوءة قوم من الزط سمراللون وهذا يؤكد رؤيته البصرية.
وجاء في هذا الحديث أيضا "وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلى أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفى، وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم ... " فهل رآهما في قبريهما كما رأى موسى في قبره، أو رآهم يصلون فى المسجد الأقصى حيث جاء فى الحديث: فحانت الصلاة فأممتهم.
بعد الأخبار المذكورة وبعد كلام السيوطى في تواتر الأخبار وكثرة الأدلة على حياة الأنبياء في قبورهم يمكننا أن نطمئن إلى ذلك ولا نكذب، بالإضافة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الشهداء، وقد قال اللَّه فيهم: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: ١٦٩، ولا يقال: قد يكون فى المفضول ما ليس فى الفاضل، لأن محل ذلك ما لم يرد نص، وقد ورد.
وحياتهم فى القبور مختلف في كيفيتها، وجمهور المسلمين على أنها حياة حقيقية لا مجازية، وقد وضح الفخر الرازي ذلك فى تفسيره لهذه الاَية.
أما قوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: ٣٠، فمعناه أن روحك ستفارق بدنك وتدخل فى عالم آخر كسائر الناس، قال تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت} الأنبياء: ٣٤، ٣٥،.
وحديث رد روح النبى صلى الله عليه وسلم ليجيب من يسلم عليه إن كان ظاهره يفيد أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف فقد أجاب على ذلك العلماء بأجوبة أوصلها السيوطى إلى سبعة وعشرين وجها، أحسنها أنه صلى الله عليه وسلم يكون مستغرقا بمشاهدة حضرة القدس فيفنى عن إحساسه الشريف، فإذا سلم المسلم عليه ترد روحه من هذا الاستغراق إلى الاحساس لأجل الرد، كما ترى في الدنيا من يكون مشغول البال قد لا يحس بمن يتكلم بجواره (المنحة الوهبية ص ٦) هذا، وعدم أكل الأرض أجساد الأنبياء ثابت بالحديث السابق، وهو حديث صحيح عند كثير من العلماء كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأقره الذهبى كما صححه النووى في كتابه " الأذكار". والعقائد وأخبار الغيب تؤخذ من الأدلة القطعية فى الثبوت والدلالة والخلاف موجود فى كفاية حديث الآحاد فى ذلك، وما دام الأمر داخلا فى قدرة اللَّه سبحانه، مع اختلاف قوانين عالم الغيب والشهادة، ومع عدم مصادمة ذلك لأمر مقطوع به فالقلب يطمئن إلى قبوله