[علم الفرائض والمواريث]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل عرف نظام التوريث قبل الإسلام، وما هى القواعد التى نظم الإسلام عليها الميراث؟
الجواب
كان الميراث معروفا قبل الإسلام فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية، فقد عرفه اليونان والرومان، وكان يعطى لمن يصلح لرعاية الأسرة وللحروب، وكان للمورث أن يختار قبل موته من يقوم مقامه فى هذه المهمة، سواء أكان من أبنائه أم من اقاربه أم من الأجانب، وقبيل ظهور الإسلام أشركوا المرأة مع الرجل على التساوى فى الميراث.
والأمم الشرقية كان الميراث فيها لأرشد الذكور من الأولاد، ثم الإخوة ثم الأعمام، وليس للمرأة نصيب فيه.
والمصريون القدماء كانوا يورثونها على التساوى مع الرجل، واليهود كانوا يخصون الولد الذكر بالميراث ويحرمون الأنثى، وإن تعدد الأولاد الذكور ورث أكبرهم فقط. جاء فى سفر التكوين " إصحاح ٢١:١٥ - ١٨" أن الابن البكر له نصيب اثنين، فإن لم يكن هناك ذكر فالميراث لابن ابنه، وليس لبنته شىء، ويبدو أن ذلك نسخ، ففى سفر العدد "إصحاح ٢٧: ١ - ١١ " أن بنات صلحفاد بن حافر طالبن موسى والعازار والكاهن أن يكون لهن نصيب فى ملك أبيهن، فقدم موسى دعواهن أمام الرب، وانتهى الأمر إلى إعطائهن من الميراث.
والعرب فى الجاهلية كانوا يورثون الذكور فقط، فعندما توفى أوس ابن ثابت وترك امرأته ام كُجَّة وثلاث بنات ـ وفى رواية بنتين ـ وأخاه، قام رجلان هما ابنا عمه ووصيان ـ قتادة وعرفجة، أو قتادة وعرفطة ـ فأخذا المال وحدهما، فشكت الأم إلى النبىٍ صلى الله عليه وسلم فى مسجد الفضيخ، فقالا: أولادها لا يركبن فرسا ولا يحملن كلا ولا ينكين عدوا، فنزلت الآية {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} وقيل نزلت فى بنات عبد الرحمن بن ثابت أخى حسان بن ثابت.
وعلم الفرائض والمواريث فى الإسلام يتناول الحديث عنه الأمور الآتية:
١ـ المعنى والتسمية: الفرائض جمع فريضة بمعنى مفروضة، أى مقدرة، لما فيها من السهام المقدرة والفرض فى اللغة مصدر فرض أى قدر، قال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ـ أى قدرتم ـ فنصف ما فرضتم} وفى الشرع: نصيب مقدر شرعا للوارث.
٢ـ فضل هذا العلم.
١ـ روى الحاكم وغيره عن ابن مسعود مرفوعا " تعلَّموا الفرائض وعلموها الناس، فإنى امرؤ مقبوض، وإن هذا العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الرجلان فى الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما"صححه الحاكم وحسَّنه الآخرون.
٢ـ روى ابن ماجه بسند حسن مرفوعا " تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وإنها نصف العلم، وإنه أول علم ينزع من أمتى "نبغ فيه زيد ابن ثابت، كان سنه يوم مقدم النبى إلى المدينة١٥ سنة، وتوفى سنة٤٥، أو ٥٤ أو ٥٥ هـ وقال عمر: من يسأل عن الفرائض فليأت زيد ابن ثابت. [ابن خلدون لا يحمل هذه النصوص على علم الميراث، فالفرائض اصطلاح للفقهاء] ومن المؤلفين فيه: الماردينى فى شرح الرحبية، وابن ثابت ومختصر القاضى أبى القاسم الحوفى ثم الجعدى من متأخرى الأندلس عند المالكية.
٣ـ تاريخه وتدرج تشريعه:
أـ كان الميراث فى الجاهلية أساسه القدرة على رعاية الأسرة، فحصروه فى الرجال دون النساء، وفى الكبار دون الصغار. ولهم فى ترتيب هؤلاء نظام يقدم فيه الأولى على غيره كالأبناء على الاباء والإخوة والأعمام. ويدخل فى الأبناء المتبنون. وكان التبنى معروفا عندهم إذا عدم الرجلُ الأبناء أو أراد الاستكثار منهم.
ب -فى الإسلام كانت هناك خطوات:
فى الابتداء كان أساسه الحلف والنصرة [حتى مع اختلاف االدين] ولذلك دخل مع الأهل من كان لهم موالاة، حيث كان الرجل يقول للآخر، أنت وليى ترثنى وأرثك، وجاء فيه قوله تعالى {ولكلٍّ جعلنا موالى مما ترك والدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: ٣٣] .
ثم نسخ فكان بالإسلام والهجرة، {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا} [الأنفال: ٧٢] فانقطعت الولاية بين المؤمن المهاجر وغيره، ممن لم يؤمن، أو آمن ولم يهاجر، ثم نسخ ذلك فجعلت الولاية للأقرب {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله} [الأنفال:٧٥] ولم يكن للتوارث نظام مقدر فترك للرجل أن يوزع ماله قبل موته كما يشاء، قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} [البقرة:١٨٥] لكنهم كانوا يخصون بعضا دون بعض، فيخصون الرجال دون النساء، فقال تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قَلَّ منه أو كثر نصيبا مفروضا} [النساء: ٧] . لكن لم يبين نصيب كل وارث، فتولى الله بنفسه توزيع التركة بقوله تعالى {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ... } {ولكم نصف ماترك أزواجكم ... } {يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة ... } [النساء: ١١،١٢، ١٧٦] فبيَّن نصيب الأصول والفروع، ثم نصيب الزوجين، ثم نصيب الإخوة والأخوات.
وراعى فى التوزيع جعل حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كانت هناك مساواة فى الدرجة، ومشاركة فى سبب الإرث، لأن الأنثى نفقتها فى الأعم الأغلب على غيرها، إن كانت بنتا أو أما أو زوجة. . . وقد يزيد نصيبها على الذكر أو يتساوى عند اختلاف الدرجة، واختلاف سبب الإرث، كالبنت الواحدة مع الإخوة، لها النصف، والنصف الباقى يوزع عليهم، ينال كلاًّ أقلُّ من.
نصيبها وحدها وهو النصف، والتساوى بينهما مع التساوى فى الدرجة لا يوجد إلا فى الإخوة لأم فهم جميعا شركاء في الثلث بالتساوى وإن كانت الآية لا تنص على هذه المساواة فى الظاهر، لكن الإجماع عليها.
وبعد أن نزلت آيه المواريث، قال النبى صلى الله عليه وسلم " إن الله أعطى كل ذى حق حقه ألا لا وصية لوارث " رواه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه وقال " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى رجل ذكر" رواه البخارى ومسلم، والنص على الذكر مع إمكان الاستغناء عنه بكلمة رجل، لمنعهم من إعطاء الكبار دون الصغار، فالذكر يطلق على الكبير والصغير، بخلاف الرجل فإنه يطلق على الكبير فقط.
وقضى الرسول للجدة بالسدس كما رواه المغيرة بن شعبة ومحمد ابن مسلمة، وحكم أبو بكر بذلك، وأكده عمر، [تاريخ التشريع للخضرى ص ١٢٣] .
٤ـ الفروض مقدَّرة: قال العلماء دلالة الألفاظ ظنية إلا فى العقائد والحدود والفرائض أى المواريث واصول الإسلام كالفرائض الخمس، فالربع هو الربع والنصف هو النصف لا يراد به غير ذلك. وكذلك الوارثون محدودون، نصيب كل منهم محدد لا يجوز الخروج عليه بعد عصر الخلفاء بالذات الذين امر الرسول بالأخذ عنهم "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء للراشدين ".
وإذا كان للشيعة رأى فى المواريث فإنه بالنسبة لفاطمة حيث لم يورثها أبو بكر من والدها، لأن الأنبياء لا يورثون، وما تركوه فهو صدقة، ولذلك هم يحكمون بخطأ أبى بكر فى ذلك، ويجعلون ميراث البنت كميراث الابن، فكل منهما داخل تحت لفظ " ولد" لأن كل مولود ولد.
ومن الغريب أن عليًّا رضى الله عنه سلم بحكم أبى بكر، ولم يشأ أن يخرج عليه وهو مستطيع لذلك حيث كان خليفة يطاع أمره، لكن التشيع المتعصب لعب دوره حتى فى أحقية العلويين فى الخلافة بدل العباسيين فالعباس عم النبى صلى الله عليه وسلم وعلىٌّ ابن عمه، فهو مقدم عليه فى الميراث " إن كان " وأولاد على هم بالنسبة للنبى صلى الله عليه وسلم أولاد ابن عمه، والعم مقدَّم على أولاد العم، وكذلك أولاد على من فاطمة هم بالنسبة إلى النبى أولاد بنته، وهم من الأرحام لا نصيب لهم فى الميراث ما دام يوجد عاصب.
ولذلك قال الشيعة:لا نسلم بالعصبة ومرتبتها، فالأقرب هو الذى يرث، وأولاد بنت النبى أقرب إليه من الأعمام، فالميراث فيهم " الحسين والحسن وذريتهما " ليس للعباس وذريته. والحسن والحسين علويان لأنهما أولاد على.
ولذلك قامت حرب فكرية بين العباسيين والعلويين حين استولى العباسيون على الحكم بعد الأمويين. إلى جانب الحرب بالسلاح، وتبلورت هذه الفكرة فى القرن الثانى والثالث الهجرى، ولذلك هجر الشيعة الأحاديث الصحيحة واعتمدوا على أقوال الأئمة المعصومين فى رأيهم، ليطرحوا فكرة العصبة ويقدموا القرابة.
وما يقال اليوم:إن البنت أصبحت كالولد فى عصرنا الحاضر من حيث التعليم والتمتع بالحقوق الأخرى واحترام ملكيتها وتصرفاتها ومسئولياتها، فيجب التساوى بينهما وتقليد مذهب الشيعة فيه ـ لا أصل له فى الدين بعد انتهاء الوحى وإجماع الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، على أن البنت سيتولى الإنفاق عليها ابوها او زوجها أو ولدها، والابن هو الذى سينفق على زوجته وأولاده ووالديه، فحكم الله حكيم {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله} [النساء: ١١] .
٥ـ الإرث له أسباب: وهى القرابة، كالأبوة والبنوة والأخوة، والمصاهرة بين الزوجين، والولاء عند عتق السيد للعبد، فهو يرثه إن لم تكن هناك قرابة من عصبة أو رحم. وكذلك الإسلام.
والإرث له مو انع: هى ١ ـ الرق.
٢ـ القتل. لحديث " ليس للقاتل من تركة المقتول شئ " صححه ابن عبد البر وغيره.
٣ـ واختلاف الدين لحديث الصحيحين فيه، وقد أجازه بعض للصحابة والتابعين، ومن للموانع الردة، فالمرتد لا يرث أحدا من المسلمين ولا من غيرهم، ولا يرثه أحد عند الشافعية والمالكية، وذهب أبو حنيفة إلى أن ماله الذى كسبه قبل الردة يورث، وما كسبه بعدها يعد فيئا للمسلمين، أما للمرأة المرتدة فكل ماتركته يورث، سواء كسبته قبل للردة أو بعدها.
والدور الحكمى أن يلزم من توريث شخص عدم توريثه، فيما إذا أقر أخ بابن للميت، فيثبت نسب الابن ولا يرث الأخ لحجبه بالابن.
والإرث له شروط: تحقق موت المورث أو الحكم به عند القضاء لغيابه مثلا، وتحقق حياة الوارث حال موت المورث، ومعرفة إدلائه للميت بقرابة أو نكاح أو ولاء، ومعرفة الجهة المقتضية له تفصيلا.
٦ـ ترتيب الوارثين: يقدم أصحاب الفروض، ثم العصبة، ثم مولى العتاقة، ثم عصبة مولى العتاقة إذا كان المعتق رجلا. ثم الرد على ذوى الفروض إلا الزوجين إذا انحصر الميراث فيهم ولم يستغرقوا التركة، ثم ذوو الأرحام، ثم مولى الموالاة [أنت مولاى ترثنى إذا مت وتعقل عنى إن قتلت، فيقول:
قبلت] وأجازه أبو حنيفة، ويثبت لقابل الولاء دون العكس، بشرط أن يكون طالب الولاء حرا، لا وارث له بنوع من أنواع القرابة. . . قال تعالى: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: ٣٣] ولحديث البخارى فى ذلك. ومنع ذلك الباقون وهو مذهب زيد.
ثم المقر له بنسب محمول على الغير، ثم الموصى بما زاد على الثلث، ثم بيت المال.
٧ـ مما يتعلق بالتركة: الذى يتعلق بها خمسة حقوق مرتبة على الوجه الآتى:
١ـ كل دين متعلق بعين من أعيان المال، مثل العين المرهونة من ماله، فإن حق المرتهن فيها مقدم على تجهيز الميت وتكفينه.
٢ـ تكفينه وتجهيزه إلى أن يدفن.
٣ـ كل دين لا يتعلق بعين من أعيان التركة.
٤ـ تنفيذ الوصايا الشرعية، فإن كانت لبعض الورثة لا تنفذ إلا بموافقة بقية الورثة، وإن كانت لغيره جازت فى حدود الثلث [بعد كل ديونه] بغير حاجة إلى إجازتهم، وإن زادت نفذت قهرا فى الثلث وتوقفت فيما زاد على إجازة الورثة.
٥ـ تقسيم التركة [فى قانون المواريث: أولا مؤن التجهيز وثانيا ديون الميت] .
قدَّم الدين على الوصية مع أن القرآن قدمها، لأن النص ورد بذلك فى حديث على: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية، ولأن الدين فرض يجبر المدين عليه ويحبس من أجله، والوصية تبرع وتطوع وهو متأخر عن الفرض وقدمها للحث عليها. والوصية الواجبة مقدَّمة على تقسيم التركة [وقانونها فى مصر رقم ٧١ فى ٦ من أغسطس ١٩٤٦] وقال به جابر بن زيد وقتادة وابن حزم "انظر الأولويات فى فتاوى الشيخ جاد الحق ج ٥ص ٢٩٦ "