لقد حدث الإسراء من مكة وانتهى إلى المسجد الأقصى بالشام، كما نص على ذلك القرآن الكريم، وهو معجزة من أنكرها كفر لتكذيبه خبر القرآن، وهو قاطع فى ثبوته ودلالته، والمعراج معجزة أثبتتها السنة، وفى منكرها خلاف بالقول بالكفر أو بالفسق. وجاء فى بعض الروايات أن المعراج كان من مكة وكان على البراق، وإن كانت رواية المعراج من المسجد الأقصى هى الأقوى، وكون المعراج على البراق غريب، لأنه إلى السماوات وليس إلى موضع آخر فى الأرض حيث يكون التناسب بينها وبين الدابة التى هى البراق، ولعل التعبير "بالمعراج " من مكة خطأ بدل "الإسراء".
من الطبيعى أن يحدث الإسراء من مكة-كما أخبر القرآن - لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فيها منذ ولد ونشأ وبدأ الدعوة وحدثت له الظروف التى كانت مقدمة للإسراء، وكان هو والمعراج بعيدين عن مكة لحكم جليلة منها:
١ -إثارة التعجب عند المشركين، كيف تم الانتقال والمسافة بعيدة، ولإمكان تصديقه طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم وصف بيت المقدس.
٢ -أن المسجد الأقصى كان فيه اجتماع الأنبياء الذين احتفلوا به وكرموا الرسول بإمامته لهم فى الصلاة، وكأن الله يقول له: إن لم يؤمن بك المشركون فقد آمن بك وكرَّمك من هم أفضل منهم، وهم أفضل البشر، أنبياء الله المصطفون الأخيار، وفى ذلك تسلية وعزاء للرسول صلى الله عليه وسلم وتنشيط له ليستمر فى دعوته.
٣-وفى حفاوة الأنبياء به إشارة إلى وحدة الأديان، وكما جاء فى الحديث الصحيح " الأنبياء إخوة من عَلاَّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد".
٤ - وفى ذلك إشارة إلى أن دين الإسلام سينتشر على الرغم من محاولات أهل مكة للقضاء عليه، وستغطى دعوته العالم كله، لأن فيه خلاصة الدعوات السابقة، مع المبادئ الصالحة لمسايرة البشرية فى تطورها المستمر.
لقد كان المعراج من المسجد الأقصى ليكون بعد الاحتفال الأرضى العام بالرسول احتفال خاص فى السماء لم يحظ به نبى من الأنبياء، وكانت صفوة منهم فى طريق عروجه يستقبلونه ويكرمونه فى السماء كما كرموه فى الأرض، وكان كل منهم يمثل مرحلة من حياته صلى الله عليه وسلم أحس فيها بنصر الله لهم على الرغم مما حدث لهم من أقوامهم.
هذا بعض ما أحس به من كون المعراج كان من المسجد الأقصى ولم يكن من مكة كالإسراء، ولكلٍّ أن يقرأ ما بين السطور، ويستشف ما يفتح الله به عليه، والأسرار فى التشريعات كثيرة لا يحيط بها إلا من وضعها سبحانه وتعالى