[صيام الأيام البيض وستة من شوال]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما أصل تسمية الأيام بالبيض وما هى، وهل منها الستة من شوال كما يشاع بين الناس؟
الجواب
الأيام البيض موجودة فى كل شهر قمرى. وهى التى يكون القمر موجودا فيها من أول الليل إلى آخره (١٣، ١٤، ١٥) وسميت بيضا لابيضاضها ليلا بالقمر ونهارا بالشمس.
وقيل لأن الله تاب فيها على آدم وبيَّض صحيفته " الزرقانى على المواهب ج ٨ ص ١٣٣ ".
وجاء فى الحاوى للفتاوى للسيوطى: يقول الناس إن آدم لما أهبط من الجنة اسودَّ جلده، فأمره الله بصيامها من الشهر القمرى، فلما صام اليوم الأول ابيض ثلث جلده ولما صام اليوم الثانى ابيض الثلث الثانى، وبصيام اليوم الثالث ابيض كل جلده، وهذا القول غير صحيح، فقد ورد فى حديث أخرجه الخطيب البغدادى فى أماليه، وابن عساكر فى تاريخ دمشق من حديث ابن مسعود مرفوعا، وموقوفا من طريق آخر، وأخرجه ابن الجوزى فى الموضوعات من الطريق المرفوع، وقال إنه حديث موضوع وفى إسناده جماعة مجهولون لا يعرفون.
وبصرف النظر عن كون سيدنا آدم صامها أو لم يصمها فإن الإسلام شرعَّ صيامها وجعله مندوبا ومستحبا، وجاء فى الزرقانى على المواهب المذكور سابقا أن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض فى حضر ولا سفر.
ورواه النسائى. وعن حفصة أم المؤمنين: أربع لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يدعهن -يتركهن - صيام عاشوراء والعشر أيام البيض من كل شهر وركعتى الفجر، رواه أحمد، وعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة أم المؤمنين: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، فقلت لها: من أى أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالى من أى أيام الشهر يصوم. رواه مسلم.
ثم قال الزرقانى: والحكمة فيها أنها وسط الشهر، ووسط الشيء أعدله، ولأن الكسوف أى خسوف القمر- غالبا يقع فيها، وقد ورد الأمر بمزيد من العبادة إذا وقع فإذا اتفق الكسوف صادف الذى يعتاد صيام الأيام البيض صائما، فيتهيأ له بأن يجمع بين أنواع العبادات من الصيام والصلاة والصدقة، بخلاف من لم يصمها فإنه لا يتهيأ له استدراك صيامها.
هذا ما جاء فى صيام الأيام البيض الثلاثة من كل شهر، أما الستة الأيام من شهر شوال فإن تسميتها بالبيض تسمية غير صحيحة، وبصرف النظر عن التسمية فإن صيامها مندوب مستحب وليس واجبا، وقد ورد فى ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم كما جاء فى فضلها حديث رواه الطبرانى "من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ". ومعنى صيام الدهر صيام العام، وجاء بيان ذلك فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم فى عدة روايات لابن ماجه والنسائى وابن خزيمة فى صحيحه، ومؤداها أن الحسنة بعشر أمثالها، فشهر رمضان بعشرة أشهر، والأيام الستة من شوال بستين يوما أى شهرين، وهما تمام السنة اثنا عشر شهرا.
وهذا الفضل لمن يصومها فى شوال، سواء أكان الصيام فى أوله أم فى وسطه أم فى آخره، وسواء أكانت الأيام متصلة أم متفرقة، وإن كان الأفضل أن تكون من أول الشهر وأن تكون متصلة. وهى تفوت بفوات شوال.
وكثير من السيدات يحرصن على صيامها، سواء أكان عليهن قضاء من رمضان أم لم يكن عليهن قضاء. وهذا أمر مستحب كما قرره جمهور الفقهاء ونرجو ألا يعتقدن أنه مفروض عليهن، فهو مندوب لا عقوبة فى تركه.
هذا، ويمكن لمن عليه قضاء من رمضان أن يصوم هذه الأيام الستة من شوال بنية القضاء، فتكفى عن القضاء ويحصل له ثواب الستة البيض فى الوقت نفسه إذا قصد ذلك، فالأعمال بالنيات، وإذا جعل القضاء وحده والستة وحدها كان أفضل، بل إن علماء الشافعية قالوا:
إن ثواب الستة يحصل بصومها قضاء حتى لو لم ينوها وإن كان الثواب أقل مما لو نواها، جاء فى حاشية الشرقاوى على التحرير للشيخ زكريا الأنصارى "ج ١ ص ٤٢٧ " ما نصه: ولو صام فيه -أى فى شوال - قضاء عن رمضان أو غيره أو نذرا أو نفلا آخر حصل له ثواب تطوعها، إذ المدار على وجود الصوم فى ستة أيام من شوال وإن لم يعلم بها أو صامها عن أحد مما مر-أى النذر أو النفل الآخر، لكن لا يحصل له الثواب الكامل المترتب على المطلوب إلا بنية صومها عن خصوص الست من شوال، ولا سيما من فاته رمضان أو صام عنه شوال، لأنه لم يصدق عليه أنه صام رمضان وأتبعه ستا من شوال.
ويشبه هذا ما قيل فى تحية المسجد، وهى صلاة ركعتين لمن دخله، قالوا: إنها تحصل بصلاة الفريضة أو بصلاة أى نفل وإن لم تُنو مع ذلك، لأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس، وقد وجدت بما ذكر، ويسقط بذلك طلب التحية ويحصل ثوابها الخاص وإن لم ينوها على المعتمد كما قال صاحب البهجة.
وفضلها بالفرض والنفل حصل، والمهم ألا ينفى نيتها، فيحصل المقصود إن نواها وإن لم ينوها.
وبناء على ما تقدم يجوز لمن يجد تعبا فى قضاء ما فاته من رمضان وحرص على جعل هذا القضاء فى شوال، ويريد أن يحصل على ثواب الأيام الستة أيضا أن ينوى القضاء وصيام الستة، أو القضاء فقط دون نية الستة، وهنا تندرج السنة مع الفرض، وهذا تيسير وتخفيف لا يجوز التقيد فيه بمذهب معين ولا الحكم ببطلان المذاهب الأخرى.
والحكمة فى صيام ست من شوال بعد الصيام الطويل فى شهر رمضان - والله أعلم - هى عدم انتقال الصائم فجأة من الصيام بما فيه من الإمساك المادى والأدبى إلى الانطلاق والتحرر فى تناول ما لذ وطاب متى شاء، فالانتقال الفجائى له عواقبه الجسمية والنفسية، وذلك أمر مقرر فى الحياة