[كتابة المصحف بالرسم الإملائى]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قراءة القرآن فى رمضان مستحبة، ولكننا نجد صعوبة فى القراءة فى المصاحف الموجودة الآن، لأن رسمها مخالف لقواعد الإملاء التى تعلمناها فهل تدلونا على مصحف يسهل علينا القراءة؟
الجواب
هذا السؤال يجرنا إلى بيان الحكم فى كتابة المصحف بالرسم الإملائى، وقد عرض هذا السؤال قديما على لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فأجابت بما ملخصه:
إن عثمان رضى الله عنه أمر بأن تنسخ عدة نسخ من المصحف الذى كان موجودا عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها وعن أبيها، وكان هذا المصحف عند عمر ومن قبله أبو بكر الصديق رضى الله عنهما.
وكان المصحف مأخوذا من القطع المتعددة التى كان مكتوبا عليها فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم.
ووزع عثمان هذه النسخ على الأمصار واستبقى واحدة منها بالمدينة وكل مصحف من هذه المصاحف يسمى "المصحف الإمام " وقد رسمت بعض الكلمات فى هذه المصاحف رسما يخالف قواعد الإملاء المعروفة الآن. وجرى المسلمون من عهد عثمان إلى الآن على اتباع الرسم العثمانى.
فهل يلتزم هذا الرسم أو يجوز العدول عنه إلى رسم آخر يلائم العصر الحديث؟ ذهب جمهور الأئمة إلى التزام الرسم - العثمانى وحرمة مخالفته، واستدلوا على ذلك بإجماع الصحابة على الصفة التى كتب بها عثمان المصاحف، ولم يُرْوَ عن واحد منهم أنه كتب القرآن على غير هذه الصفة.
وذهب بعض العلماء إلى جواز كتابته بأى رسم كان. فكل رسم حصلت به الدلالة فهو جائز، ولم يثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بهذا الرسم، بل الثابت أنه كان يأمر بكتابة ما نزل ولم يتعرض للكيفية التى كتب بها.
وإجماع الصحابة لا يدل على أكثر من جواز رسمه على نحو ما كتب الصحابة بحظر ولا إباحة، وقد وضح ذلك أبو بكر الباقلانى فى كتابه " الانتصار".
ولكن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف اختارت بقاء المصحف على الرسم الذى كان عليه فى عهد عثمان رضى الله عنه. وعدم كتابته على الرسم الإملائى الحديث، فإن الرسم الحديث ما يزال موضع الشكوى لعدم تيسير القراءة به، حيث توجد به أحرف لا تنطق وتنقص منه حروف تنطق، ولا تتيسر القراءة والفهم إلا بعد التمرن الطويل والإتقان لمعرفة قواعد الإملاء.
ثم إن قواعد الإملاء عرضة للتعديل، فهل يكتب القرآن على القواعد الإملائية أو المعدلة أو القديمة، وقد توجد عدة نسخ مختلفة الرسم، وهنا تكون البلبلة والتعرض لتحريف القرآن وضعف الثقة فيه ثم أن تلاوة القرآن لا تؤخذ أبدا من الرسم، بل من التلقى، لأن هناك أحكاما لتجويد القرآن وإخراج الحروف من مخارجها الحقيقية لا يمكن للشكل الإملائى أن يدل عليها ولذلك أرسل عثمان مع المصاحف قراءً، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدينة والمغيرة بن شهاب أن يقرئ بالشام وعامر بن عبد قيس أن يقرئ بالبصرة وأبا عبد الرحمن السُّلَمى أن يقرئ بالكوفة فاللائق بقدسية القرآن بقاء كتابته على الرسم العثمانى اهـ.
بناء على هذه الفتوى لا تطبع المصاحف الآن على القواعد الإملائية المعروفة، فإذا أردت أن تقرأ القرآن. فليكن أولا على عالم به مجيد له، والقليل المجوَّد أفضل من الكثير الملحون أو غير السليم