[دارون وأصل الإنسان]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما رأى الدين فى النظرية التى تقول: إن الإنسان أصله قرد ترقَّى وتطور حتى صار على الشكل الذى نعرفه الآن؟
الجواب
فى القرن التاسع عشر الميلادى، الذى ظهرت فيه نزعة الثورة على الكنيسة والأفكار والآراء الدينية السائدة، برز جماعة منهم "لا مارك" الفرنسى المتوفى سنة ١٨٢٩ م "واغوست ايرينوس" المتوفى سنة ١٩٢٧ م و "تشارلس دارون" الإنجليزى المتوفى سنة ١٨٨٢ م والذى أثار ضجة فى العالم عندما ظهر كتابه "أصل الأنواع" سنة ١٨٥٩ م وكتابه "تسلسل الأنواع" سنة ١٨٧١ م، وهو يشتمل على ثلاث مسائل:
أ- أن طريق حدوث تنوعات العالم هو النشوء، أى أن أجزاء الأثير تكون منها السديم ثم الشمس، ثم انفصلت عنها الكواكب، ومنه أرضنا، ثم تكونت العناصر ثم المعادن ثم المكون الأول الحى "البروتوبلازم" الذى أخذ فى التوالد والترقى حتى بلغ أدنى نبات أو حيوان، ولم يزل هذان يترقيان بالنواميس الأربعة "التباينات، الوراثة، تنازع البقاء، الانتخاب الطبيعى" ويشتق من الأنواع أنواع حتى تكونت جميع الأنواع التى نراها اليوم.
ب- أن الإنسان ما هو إلا حيوان من جملة الحيوانات، حادث بطريق النشوء والارتقاء،وأنه لمشابهته القرد لا يمنع أن يكون قد اشتق هو وإياه من أصل واحد.
ج- أن الحياة وعقل الإنسان ما هما إلا ظاهرتان من ظواهر تفاعل أجزاء المادة، وإن يكن أصل المادة خاليا من الحياة والإدراك، وأن عقل الإنسان لا يختلف عن عقول الحيوانات إلا بالكم، ولا يخالفها فى الذات والحقيقة.
إن هذه الدعاوى لم يستطع "دارون" ومن ساروا فى ركابه أن يبرهنوا عليها بالأدلة الكافية، فهى ما تزال افتراضات قابلة للصدق والكذب، وأكثر اعتمادهم فى ذلك على تطوير نوع من الزهور والنباتات، غيَّروا شكلها ولم يغيروا جوهرها، ولم ينجحوا فى شىء من عالم الحيوان، ولكنهم قالوا: يجوز أن يكون الإنسان متطورا عن حيوان قبله وهو القرد.
ويشرح "لا مارك" ذلك بقوله: إن الكائن الحى يشعر من تغير الأحوال عليه بضرورة حدوث عضو جديد له، فيفعل للحصول على ذلك، فيحدث فى آحاده يسيرا يسيرا، كالزرافة، فقد كانت فى زعمه كسائر الحيوانات - ذات عنق قصير، ولكنها لما احتاجت إلى أكل الأشجار العالية صارت تتفعل لذلك وتشرئب لتنال الورق العالى، فطالت عنقها يسيرا يسيرا، حتى وصلت إلى ما هى عليه الآن، فالحاجة هى التى تنشىء الأعضاء الجديدة عند لا مارك ولكن دارون يقول: إن الصدفة أو الاتفاق هو الذى ينشئها.
لقد قام جماعة من المفكرين بالرد على نظرية دارون فقال "س. فان هو فنسفيلت" إن النتائج التى وصل إليها الباحثون فى الأحياء المتحجرة لم تساعد على إقامة أى دليل على التسلسل أو التطور التدريجى بل ثبت على عكس ذلك أن الفروق الدقيقة بين صفوف الأجناس. التى نعرفها بقيت على الدوام فاغرة ولم تتلاش أو تقرب من ذلك.
وقال "جوستاف جوليه" الأستاذ فى السوربون: إن العقبات التى يرتطم بها مذهب النشوء والارتقاء تنحصر فى خمسة أمور:
ا- أن العوامل التى يقوم عليها هذا المذهب قد ظهر عجزها فى تعليل أصل الأنواع.
ب- تبين عدم كفايتها لتعليل وجود الحشرات.
ج- تبين عدم غنائها فى تفسير التحولات الفجائية المولدة لأنواع جديدة.
د- اتضح قصورها عن تعليل تولد طبائع الأنواع الجديدة وثبوتها نهائيا، وقد ثبت أنها متى تولدت فيها بسرعة تبقى ثابتة لا تتغير.
هـ- ثبت عجزها عن تفسير عوامل التطور الذى تدخل فيه الكائنات فتحولها من حالة ساذجة إلى حالة مركبة، وتدفعها من النقص إلى الكمال.
هذه هى نظرية دارون الافتراضية، وذلك بعض ما ردَّها به علماؤهم، أما رأى الدين فيها فيتضح مما يلى:
١- قولهم إن المخلوقات خلقت عشوائيا بغير تدبير سابق وعلم محكم يرده قول الله سبحانه: {إنا كل شىء خلقناه بقدر} القمر: ٤٩ وقوله {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شىء موزون} الحجر: ١٩.
٢ - قولهم إن الإنسان ليس له خالق، يرده قول الله تعالى: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} النحل: ٤ وقوله {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} ق: ١٦ وقوله: {هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه} لقمان: ١١ وغير ذلك من الآيات الكثيرة.
٣- قولهم إن البقاء للأقوى والكوارث هى سبب هلاك المخلوقات الضيفة، مردود بأن الله يهلك الأقوياء كما يهلك الضعفاء {إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا} آل عمران:
١٠ {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد} آل عمران: ١٢.
٤- ادِّعاؤهم معرفة كيف نشأت الأحياء على الأرض، يرده قول الله تعالى: {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم} الكهف: ٥١.
٥- ادعاؤهم أن الطيور والحشرات لا تفهم يرده قول الله سبحانه {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير} النمل:
١٦.
٦- ادعاؤهم أن الطير أقل تطورا من الثدييات والإنسان يرده قول الله تعالى {فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه} الأنعام: ٣٨.
٧-زعمهم أن الإنسان متطور عن كائنات حية سابقة يرده قول الله تعالى {الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علَّمه البيان} الرحمن:
١ - ٤ وقوله {خلق الإنسان من صلصال كالفخار} الرحمن: ١٤ وحديث "إن الله خلق آدم على صورته" رواه البخارى ومسلم.
٨ - ادعاوهم أن القرآن يقر نظرية التطور، كقوله تعالى {وقد خلقكم أطوارا} نوح: ١٤ مردود بأن الأطوار فى الآية ليست التطور الذى يزعمون فالمعنى أن الإنسان خلق على النحو الذى قال فيه رب العزة {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} المؤمنون: ١٢ - ١٤.
٩- قولهم إن الموت يأتى صدفة للضعيف ويترك القوى ليتطور، يرده قول الله تعالى {خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} الملك: ٢ وقوله {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} البقرة: ٢٨ هذا بعض ما تفند به نظرية دارون، ويمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر "المجلد الثانى ص ٧٤٩" ودراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة ومجلة الهداية التى تصدر فى البحرين عدد مارس ١٩٩٣، ومراجع أخرى