للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحاكم وتوحيد المذاهب]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

إذا قامت وحدة المسلمين فى العالم كله وأصبح لهم خليفة أو إمام واحد، فهل المسلمون كلهم يتقيدون بآراء ذلك الإمام فى المسائل الفرعية التى اختلف فيها الفقهاء والأئمة المجتهدون؟ وهل يجب حينئذ على المسلمين الذين تقيدوا بآراء إمام مذهبهم قبل الوحدة أن يتركوا مذهبهم وإلا فما معنى وحدة المسلمين حينئذ؟

الجواب

وحدة المسلمين الآن وقيام خليفة عليهم افتراض أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة، ونحن نرى الصور المخزية تعرض علينا فى شريط طويل من زمن بعيد ملىء بمآسى التفرق والتناحر بين الدول التى تنتمى إلى الإسلام بعضها مع بعض، وبين أفراد كل دولة بعضهم مع بعض أيضا بآرائهم المتعددة ومذاهبهم المتخالفة وتعصبهم المقيت للأهواء والجنسيات والطبقات.

وكنت أود الإمساك عن ذكر أحكام وتنظيمات لشىء متخيل حتى تبدو فى الأفق علامات تبشر بوقوعه، وساعتها نضع الجواب على السؤال وهو ميسر فى كتب الإسلام التى لم تدع صغيرة ولا كبيرة إلا تحدثت عنها فى النظم السياسية والاقتصادية والقضائية والدولية، إلى جانب العبادات والعقائد وأصول الدين عامة.

وهذه المسألة من الفقه السياسى الذى ظهرت مسائله على مسرح الحياة الإسلامية عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بقليل، ووجد من المسلمين من رفضوا بعض الأئمة وخرجوا عن طاعتهم، وكانت الاحتكاكات التى راح ضحيتها بعض من خيرة الصحابة والتابعين.

ولم يمض على الخلافة الإسلامية فى الشرق وقت طويل حتى قامت خلافة أخرى تناهضها فى الأندلس، ثم دب الضعف إلى هذه الخلافات وقامت دويلات مستقلة انفصلت عن الخلافة شكلا وموضوعا، وانتهت إلى الانقضاض عليها أو التآمر على تصفيتها مما وعاه التاريخ وامتلأت به بطون المؤلفات ذات الوجهات المختلفة والآراء التي داخلها كثير من الهوى، ومهما يكن من شىء فإن من المؤلفات الإسلامية ما عنى بنظام الدولة ككتاب الأحكام السلطانية للماوردى وكتب الحسبة التى ألفها علماء أجلاء، ومما جاء فيها:أن الإمام يلزمه حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة أوضح له الحجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود.

وأهم ما يعنى به الإمام العلاقات الاجتماعية والدولية، أما المعتقدات والآراء الخاصة والعبادات ذات الطابع الشخصى فليس للإمام دخل فيها إلا بمقدار أثرها على الجماعة، كما فى الحديث المعروف: من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد، فمن له رأيه ومعتقده فالله حسيبه ما دام لا يحدث به فتنة بين الناس، وهنا يتدخل الحاكم لحفظ الأمن ووحدة الصف.

وجاء فى كلام المتحدثين عن الحسبة وهى الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهى عن المنكر إذا ظهر فعله، أن المحتسب هل يجوز له حمل الناس فيما ينكره من الأمور التى اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده أم لا؟ على وجهين، أحدهما أن له حمل الناس على رأيه، وعلى هذا يجب أن يكون عالما من أهل الاجتهاد فى أحكام الدين والثانى ليس له حمل الناس على رأيه "الأحكام السلطانية للماوردى ص ا ٢٤".

ثم تكلموا عن المعروف وقسموه إلى ما يتعلق بحق الله، وما يتعلق بحق الآدميين، وما هو مشترك بينهما، وذكروا أحكام كل بالتفصيل، ويؤخذ من كلامهم أن للإمام والمحتسب حمل الناس على المجمع عليه وبخاصة فيما يتعلق بحق المجتمع كإقامة الجمعة عند توافر شروطها المتفق عليها، وأنه لا يجوز له حمل الناس -على اعتقاده هو، ولا أن يأخذهم فى الدين برأيه مع تسويغ الاجتهاد فيه، وكذلك فى النهى لا ينهاهم عما فيه خلاف.

هذه بعض فقرات مما جاء فى كلامهم لا تعطى الإجابة الكافية على السؤال، وإنما أردت بذكرها أن أبين أن فى الإسلام وكتب المسلمين حلا لكل مشكل وحكما لكل قضية، ولا فائدة من بيان ذلك هنا والكتب مملوءة به وليست الحاجة ماسة إليه وإنما الفائدة أو ما ينبغى أن نهتم به هو واقعنا الحالى ومحاولة حل مشاكله، وما أكثر هذه المشاكل التى إن وجد لها حل فهو نظرى لم يأخذ حظه من التطبيق ... ويوم أن تحل المشاكل السياسية والاقتصادية بالذات يمكن التفكير فى وضع نظام للخلافة العامة والحكومة الواحدة بعد بذل الجهد الجبار في جمع الناس على عقيدة واحدة فى نظرتهم إلى الإمامة ومن هو أحق بها، وأنت تعلم أن أربعة عشر قرنا مضت وما يزال الخلاف على الخلافة يزداد سلطانا على كثير من المسلمين، كلما حاول بعض الغيورين على الوحدة الإسلامية أن يقربوا فيها بين وجهات النظر أغرق بعض المتعصبين فى التعصب لرأيه، والعدو بدوره يزيد الهوة اتساعا، ويسد المنافذ على الوحدة إن لاحت بعض بوارقها فى الأفق، ومع كل ذلك فلا أفقد الأمل فى رحمة الله

<<  <  ج: ص:  >  >>