[ومن لم يحكم بما أنزل الله]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة: ٤٤، وفى الآية التى بعدها {فأولئك هم الظالمون} وفى الآية رقم ٤٧ {فأولئك هم الفاسقون} فهل تصدق هذه الآيات على الذين يحكمون بقوانين وضعية؟
الجواب
هذا الموضوع مستوفى فى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " والحكم بغير ما أنزل الله ليس قاصرا على الحكام والقضاة، وإنما هو شامل لكل إنسان يعطى حكما لأى شىء غير حكم الله، سواء فى فتوى أو قضاء أو غير ذلك، كالذى يشرب الخمر ويقول إنها حلال، ويتعامل بالربا ويقول إنه حلال وهكذا.
وإذا كان الحكم على من لم يحكم بما أنزل الله بأنه كافر أو ظالم أو فاسق، فهو حكم صادق، لأن الفسق خروج عن المشروع، وكذلك الظلم تجاوز للحد المشروع، والكفر تجاوز الإيمان إلى غير الإيمان. وإن رأى بعض المفسرين أن الحكم بالكفر يكون على من أنكر حكم الله أو استهزأ به، وهو مناسب فى الآية الأولى لرفض اليهود حكم الله فى التوراة، وأن الحكم بالظلم يكون على من تجاوز القصاص فى الأمور التى ذكرتها الآية {النفس بالنفس والعين بالعين} إلى آخره، والظلم واضح فى ذلك. وأن الحكم بالفسق على أهل الإنجيل يشمل الكفر عند إنكار حكم الله ويشمل الظلم عند تجاوز الحد.
ومهما يكن من شىء فإن كلام المفسرين فى هذه الآيات كثير، ويلتقى كله على أن إنكار حكم الله أو الاستهزاء به كفر، وأن عدم الإنكار وعدم الاستهزاء مع تجاوز الحد فى التطبيق أو التقصير ليس كفرا وإنما يكون ظلما ويكون فسقا.
وعليه فإنه لا يصح أن يتعجل بالحكم بالكفر على من لم يحكم بشريعة الله فردا أو جماعة أو دولة إلا بعد التأكد من أن ترك حكم الله كان عن إنكار له أو استهزاء به، وذلك أمر باطنى لا يصرح به غالبا، فإن صرح به دون تأويل جاز الحكم بالكفر، وإن لم يعلم ذلك على وجه اليقين فالواجب هو عدم الحكم بالكفر، والحديث يقول: " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " رواه مسلم بعبارات متقاربة.
وإليك نماذج من أقوال المفسرين القدامى والمحدثين، وتتفق كلها مع ما تقدم، ومع ما هو مسطر فى " بيان للناس ".
ذكر الفخر الرازى المتوفى سنة ٦٠٦ خمسة أجوبة ارتضى منها ما قاله عكرمة من أن الحكم بالكفر يكون عند الجحد والإنكار، أما المؤمن بحكم الله لكنه خالفه فهو عاص، وقال: إن الكفر يكون بالتقصير فى حق الله، أما الظلم فهو تقصير فى حق النفس. وذكر البيضاوى المتوفى سنة٦٨٥ هـ ما نصه: فكفرهم لإنكاره، وظلمهم بالحكم على خلافه، وفسقهم بالخروج عنه.
وقال الزمخشرى المتوفى سنة ٥٢٨ هـ: من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقر-يعنى به -فهو ظالم فاسق.
وقال الآلوسى المتوفى سنة ١٢٧٠ هـ: ولعل وصفهم بالأوصاف الثلاثة باعتبارات مختلفة، فلإنكارهم ذلك وُصِفُوا بالكافرين، ولوضعهم الحكم فى غير موضعه وُصِفوا بالظالمين، ولخروجهم عن الحق وصفوا بالفاسقين