ما معنى قوله {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض} الأحزاب:
٧٢، وهل كان العرضى تخييرًا أو إلزامًا وكيف كان الإنسان ظلومًا جهولاً؟
الجواب
في تفسير الأمانة في هذه الآية أقوال كثيرة، وأرجح منها أنها هي التكاليف الإلهية التي لا تؤدي إلا عن إيمان بالله الذي أمر بها ويجازي عليها ثوابًا وعقابًا، ويقرب من هذا أنها هي الإيمان الذي يدفع إلى أداء التكاليف الإلهية. ولعل مما يؤيد هذا القول حديث حذيفة بن اليمان، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ... حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القراَن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة" رواه البخاري ومسلم وكما يؤيده حديث "الصلاة أمانة والوضوء أمانة والوزن أمانة" رواه أحمد والبيهقى موقوفًا على ابن مسعود.
وعرض الله الأمانة على السموات والأرض والجبال: إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين الله عز وجل ألا يقوموا به. ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها، قال النحاس: وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير.
ولعل إباء السموات والأرض والجبال للأمانة أساسه - كما قال ابن عباس - خشية التقصير فيها، لأنها مفطورة على الطاعة، راضية بما هيئت له من رسالة في الحياة ويوضحه قوله تعالى {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين} فصلت: ١١، وهذا يلتقى مع الرأى القائل بأن العرض معناه مقايسة التكاليف بجهد السموات والأرض والجبال وطبيعتها، فلم يكن هناك تناسب. أما الإنسان ففي طبيعته تناسب لحمل الأمانة مع ما بلزمها من ثواب على الطاعة وعتاب على المعصية.
وقد قبل الإنسان هذه الأمانة دون أن تعرض عليه، فلم يصرح القرآن بذلك كما قاله بعض المفسرين، ولعل مبادرته للقبول كانت تفاؤلا بالتوفيق لأدائها وأملا في عدم التقصير فيها، ولأن طبيعته التي خلقه اللَّه عليها تتناسب مع قبول هذه التكاليف.
ثم قال العلماء: إن عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال كان عرض تخيير أما عرضها على الإنسان فكان عرض إلزام، وعبرت الآية عن الإنسان الذي حمل الأمانة بأنه ظلوم جهول، لأنه كان ظلومًا لنفسه بالتقصير الذي آل إليه أمر الكثيرين، وجهول حين خاطر بحمل الأمانة ولم يدر ما سيكون عليه مستقبل حاله من التقصير الذي يعرض له كل إنسان بدافع من الغرائز التي فطر عليها