[النميمة]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
من الأمراض الخلقية الشائعة مرض النميمة، نريد كلمة جامعة عنها وما هو السبيل إلى علاجها؟
الجواب
الكلام عن النميمة يتناول عدة أمور هى:
١ -تعريفها: هى نقل الكلام بين طرفين لغرض الإِفساد. يقول الغزالى " الإحياء ج ٣ ص ١٣٥ ": تطلق النميمة فى الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه، كما تقول: فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا، وتعرَّف النميمة أيضا بكشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه طرف ثالث وسواء كان الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز والإِيماء، فالنميمة إفشاء السر وكشف الستر عما يكره كشفه، وجاء فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين يعذَّبان فوضع عليهما جريدة وقال إنهما يعذبان فى كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة بين الناس. يقول ابن القيم: أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة والدماء، فمن ترك الاستبراء الذى هو مقدمة الصلاة، ومن نَمَّ والنميمة أصل العداوة المريقة للدماء، فحظهما العذاب الشديد " غذاء الألباب ج ١ ص ٩١ " ويقول الشاعر:
لى حيلة فيمن ينم وليس للكذاب حيلة * من كان يخلق ما يقول فحيلتى فيه قليلة ٢ -مظاهرها: تكون النميمة بين الحبيبين وبين الزوجين، وبين الأسرتين، وبين الدولتين، وبين الرئيس والمرءوسين.
٣ - آثارها: التفرقة بين الناس، قلق القلب، عار للناقل والسامع، حاملة على التجسس لمعرفة أخبار الناس، حاملة على القتل، وعلى قطع أرزاق الناس، جاء فى الحديث " لا يبلغنى أحد منكم عن أصحابى شيئا، فأنا أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر".
٤ -صفات النمام: النمام ذليل، جاء فى إحياء علوم الدين "ج ٣ ص ٣٥ " أن رجلا سأل حكيما عن السماء وما أثقل منها؟ فقال:
البهتان على البرىء، وعن الأرض وما أوسع منها؟ فقال: الحق، وعن الصخر وما أقسى منه؟ فقال: قلب الكافر وعن النار وأحَرَّ منها؟ فقال: الحسد، وعن الزمهرير وما أبرد منه؟ فقال: الحاجة إلى القريب إذا لم تنجح. وعن البحر وما أغنى منه؟ فقال: القلب القانع، وعن اليتيم وما أذل منه؟ فقال: النمام إذا بان أمره، النمام كذاب، غشاش، مغتاب، خائن للسر، غادر للعهد، غال حسود، منافق، مفسد يحب الشر للناس، الصدق لا يذم من أحد إلا من النمام، ذو وجهين، متجسس، فاسق.
٥ -أسبابها والغرض منها: إرادة السوء للمحكى عنه، وحب المحكى إليه والتزلف إليه، والتسلية والفضول.
٦- عقابها: جاء فى الحديث " لا يدخل الجنة نمَّام " رواه البخارى ومسلم، عذابه فى القبر كما مر فى الحديث، حبسه فى جهنم حتى يأتى بالدليل على ما قاله، وقد مر فى موضوع الغيبة، هو ذو وجهين من أشد الناس عذابا يوم القيامة كما فى البخارى وقال تعالى {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم} النساء: ١٠٨ وفى حديث أحمد " شرار عباد الله المشاءون بالنميمة المفرِّقون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب " وفى حديث أبى داود " من كان له وجهان فى الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة" النميمة تحلق الدين لأنها تفسد ذات البين، كما فى حديث أبى داود والترمذى وصححه، وجاء فى حديث الطبرانى أنه قيل لعبد الله بن عمر: إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول، فإذا خرجنا قلنا غيره، فقال: كنا نعد ذلك نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ليس له قيمة أدبية كما قال الله فى الوليد أو غيره {ولا تطع كل حلاف مهين. هماز مشاء بنميم} القلم: ١٠، ١١ النمام شؤم لا تنزل الرحمة على قوم هو فيهم، فقد جاء فى الإحياء "ج ٣ ص ٣٥" عن كعب الأحبار أن بنى إسرائيل أصيبوا بقحط، فاستسقى موسى عليه السلام مرات، فما سقاهم الله، فأوحى إليه أن السبب هو وجود نمَّام معكم، فقال موسى: ومن هو يا رب حتى أخرجه؟ فقال: يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماما. والله أعلم بصحة هذا الخبر.
٧-علاج النميمة: يكون بتوعية النمام بخطورة النميمة، بمثل ما سبق من الآيات والأحاديث والحكم، والتنفير منها بأنها صفة امرأة لوط، التى كانت تدل الفاسقين على الفجور، فعذبها الله كما عذبهم، وأنها صفة العتاة من المشركين كالوليد بن المغيرة الذى نهى الله نبيه عن طاعته، إلى غير ذلك من المنفرات لهذا المنكر، وحثه على التوبة منها قبل أن يقضى عليه.
وكذلك يكون علاجها من جهة السامع للنميمة، ببيان أنه أُذنٌ لا شخصية له، يقع فريسة لكل كلام ينقل إليه، وبيان أنه عدو للناس بسبب كلمة يسمعها، فيوقع عليهم الشر، أو يمنعهم الخير، وإظهار أنه كما يُنَمُّ له يُنَمَّ عليه، فالذى نقل إليه الكلام سينقل عنه الكلام، وأنه يحمل وزرا مع النمام لأنه يشجعه على ذلك.
واجب السامع عدم تصديق النميمة لأن النمام فاسق والفاسق مردود الشهادة، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} الحجرات:
٦ كذلك يجب عليه أن ينصحه قياما بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأن يبغضه لوجه الله لأنه مبغوض من الله والناس، وألا يظن سوءا بمن نقل عنه الكلام، فالله يقول {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} الحجرات: ١٢ وألا يحمله الكلام المنقول إليه على التجسس والبحث فالله قد نهى عن التجسس، وألا يحكى هذه النميمة حتى لا يكون نماما.
روى عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل عليه رجل ذكر له شيئا عن رجل آخر، فقال له عمر: إن شئت نظرنا فى أمرك فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية {هماز مشاء بنميم} وإن شئت عفونا عنك، فقال العفو يا أمير المؤمنين ولا أعود لذلك أبدا.
وقال رجل لعبد الله بن عامر، وكان أميرا، بلغنى أن فلانا أعلم الأمير أنى ذكرته بسوء، قال: قد كان ذلك، قال: فأخبرنى بما قال لك حتى أظهر كذبه عندك، قال: ما أحب أن أشتم نفسى بلسانى، وحسبى أنى لم أصدقه فيما قال، وقال مصعب بن الزبير: نحن نرى أن قبول السعاية شر من السعاية، لأن السعاية دلالة، والقبول إجازة، وليس من دل على شىء فأخبر به كمن قبله وأجازه، فاتقوا الساعى، فلو كان صادقا فى قوله لكان لئيما فى صدقه، حيث لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة.
والسعاية هى النميمة، إلا أنها إذا كانت إلى من يخاف جانبه سميت سعاية. دخل رجل على سليمان بن عبد الملك الأمير الأموى، فقال له: إنى مكلمك كلاما فاحتمله وإن كرهته، فإن وراءه ما تحب إن قبلته، فأذن له فى الكلام فقال: إنه قد أحاط بك رجال ابتاعوا دنياك بدينهم، ورضاك بسخط ربهم، خافوك فى الله، ولم يخافوا الله فيك، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، ولا تُصغ إليهم فيما استحفظك الله إياه ... أعلى قُرَبِهِمْ البغى والنميمة، وأجل وسائلهم الغيبة والوقيعة، وأنت مسئول عما أجرموا، وليسوا مسئولين عما أجرمت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره.
ورفع بعض النمامين إلى الصاحب بن عباد رقعة نبه فيها على مال يتيم، ويحمله على أخذه لكثرته، فكتب على ظهر الرقعة: السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة، ابتعد عن العيب فالله أعلم بالغيب، الميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمرة الله، والساعى لعنه الله.
وللمزيد يمكن الرجوع إلى إحياء علوم الدين الجزء الثالث