للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكون يسبح الله]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

فى الآيات القرآنية أن كل شىء يسبِّح الله، فبأى لغة يكون هذا التسبيح؟

الجواب

التسبيح معناه تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، وقد يكون ذلك بالقول وبالفعل، وبأية صورة تنبئ عن ذلك كالصلاة وذكر الله تعالى، وهذا التسبيح يلزمه الإِيمان بوجود الله وبألوهيته، ومثله السجود بمعناه العام وهو الخضوع واللجوء إليه، والكون كله ساجد لله ومسبح له بهذا المعنى، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {سبَّح لله ما فى السماوات وما فى الأرض} وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسبح له من فى السماوات والأرض والطير صافات كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} النور: ٤١ وقوله: {ألم تر أن الله يسجد له من فى السماوات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ... } الحج: ١٨ وقوله تعالى: {وإن من شىء إلا يسبِّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} الإِسراء: ٤٤ والتسبيح الذى يعتمد على اللغة ليس كل إنسان قادرا على فهمه، فلكل من المخلوقات لغته، ولا يفهمها إلا من خصه الله من عباده المقربين كداود وسليمان عليهما السلام {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء} النمل: ١٦.

وبعض العلماء يقول: إن التسبيح باللغة يكون من الأحياء النامية كالحيوان والنبات، وأما تسبيح غيرها كالجماد فهو بمعنى الدلالة على وجود الله ووجوب عبادته، وقال بعض آخر: قد يكون تسبيح الجمادات بلغة خاصة كما جاء فى إكرام الله لداود بقوله تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإِشراق. والطير محشورة كل له أوَّاب} ص: ١٨، ١٩.

والمهم أن كل الكائنات تسبح وتسجد وتخضع لقدرة الله، ولكلٍّ لغتها وطريقتها فى ذلك، ومما جاء من النصوص والأخبار فى هذاالموضوع إلى جانب ما ذكر:

١ -روى البخارى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال " لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " وفى غير هذه الرواية عنه رضى الله عنه: كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه. وهناك عدة روايات فى تسبيح الطعام مذكورة فى الزرقانى على المواهب "ج ٥ ص ١٢١".

٢-روى مسلم عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىَّ قبل أن أبعث، إنى لأعرفه الآن " قيل هو الحجر الأسود. وهناك عدة حوادث فى تسبيح الحصا فى يد الرسول وأبى بكر وعمر "المرجع السابق ص ١٢٠ ".

٣- حنين الجذع الذى كان يخطب إليه، رواه البخارى وغيره، وقيل إنه متواتر، وسمع لحنينه صوت كصوت الناقة العشراء، والكلام طويل عنه فى " الزرقانى على المواهب ج ٥ص ١٣٣".

٤ -أخرج النسائى فى سننه عن عبد الله بن عمر وأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع وقال " نقيقها تسبيح ". وأخرجه ابن سبيع فى " شفاء الصدور " كما ذكره الدميرى.

٥-روى ابن ماجه فى سننه ومالك فى موطئه قول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة ".

٦ -ذكر القرطبى فى تفسير قوله تعالى: {وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} بعض أقوال منقولة عن عبد الله ابن مسعود وأنس بن مالك أن الجبال يكلم بعضها بعضا، كما ذكر فى "ج ١٣ ص ١٦٥ " ما تقوله بعض الطيور، وليس لذلك سند صحيح يعتمد عليه، ثم قال: الصحيح أن الكل يسبح، للأخبار الدالة على ذلك، ولو كان التسبيح تسبيح دلالة فأى تخصيص لداود؟ وإنما ذلك تسبيح المقال، بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح، وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شىء، فالقول به أولى.

وأقول: لقد أثبت العلم أن للحيوانات والطيور لغات تتفاهم بها، فلا استحالة فى كون كل المخلوقات تسبح بحمد الله بلغة خاصة بها، وإن كنا لا نفهمها، كما أنه لا مانع من تفسير التسبيح بأنه بلسان الحال ليعتبر الإِنسان ويؤمن ويسجد لله ويسبِّحه {قل انظروا ماذا فى السماوات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} يونس: ١٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>