للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حساب الأولين والآخرين]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل هذه الأجيال ستحاسب بمقدار ما تحاسب به الأجيال الماضية مثل أجيال الرسول عليه الصلاة والسلام؟

الجواب

روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " وروى مسلم.أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء "وروى مسلم أيضا حديث "عبادة فى الهرج كهجرة إلى" وصح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة " وروى مسلم أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى المقبرة فقال " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا" قالوا: يا رسول الله ألسنا بإخوانك؟ فقال " بل أنتم أصحابى وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض "تفسير القرطبى ج ١٨ ص ٣٢ " وروى ابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب - أى رواه واحد فقط أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ضمن حديث "فإن من ورائكم أياما، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله "وزاد أبو داود: قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال "بل أجر خمسين منكم " وروى أحمد والدارمى والطبرانى عن أبى عبيدة بن الجراح أنه قال يا رسول الله أحد أفضل إيمانا منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بى ولم يرونى" وإسناده حسن، وصححه الحاكم وأخرج أحمد والبخارى فى التاريخ وابن حبان والحاكم وصححه "طوبى لمن رآنى وآمن بى مرة، وطوبى لمن لم يرنى وآمن بى سبع مرات " وذلك لأن الله مدح المؤمنين بإيمانهم بالغيب، وكان إيمان الصحابة بالله واليوم الآخر غيبا، وبالنبى صلى الله عليه وسلم شهودا للآيات والمعجزات، ومن بعدهم آمنوا غيبا بما آمنوا به شهودا وروى أن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة كتب إلى سالم ابن عبد الله بن عمر أن يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب ليعمل بها، فكتب إليه سالم: إن عملت بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر، لأن زمنك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم.

يقول عمر بن عبد البر، بعد ذلك وبعد أحاديث أخرى: فهذه الأحاديث تقتضى مع تواتر طرقها وحسنها - التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها فى فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية. وذلك لنص النبى صلى الله عيه وسلم على أفضلية أهلها على من سواهما.

بعد هذه النقول من كتب الأحاديث والسيرة أرى أن السلف فى مجموعهم أفضل ممن بعدهم، فخير القرون قرن الرسول ثم من بعدهم، وذلك لكثرة المؤمنين الطائعين الذين بذلوا كثيرا ولكن لا يعدم أن يكون فيهم أفراد لا يدخلون فى الخيرية كالمنافقين وبعض العاصين.

والأجيال اللاحقة فى مجموعها أقل فضلا من السابقة، لكن لا يعدم أن يكون فيهم أفراد على درجة كبيرة من الفضل، وذلك لعدة عوامل منها: أنهم آمنوا بالرسول ولم يروه، وأن الجو العام السابق كان أقل فتنة، وبالتالى لا يحتاج إلى مجاهدة نفسية، بخلاف الأجيال اللاحقة حيث كثرت الفتن وإغراء المغريات وصاروا فيها غرباء. وذلك كله فيما عدا الصحبة، وإنما فى الأعمال الأخرى.

ومن هنا أرى على المستوى الفردى أن العبرة بالعمل كما وكيفا {كل امرئ بما كسب رهين} الطور: ٢١، وعليه فقد يكون فى الخلف من هو أفضل من السلف وإن كان العدد قليلا، وعلى المستوى الجماعى العبرة بالعدد، وعليه فالأجيال السابقة يكثر فيها ذوو الفضل ويقل المفسدون، وما دمنا جميعا سنرجع إلى الله ويحاسب كل واحد على ما عمل فلابد أن نؤمن بقوله تعالى {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} الأنعام: ١٦٤، وقوله {ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير} فاطر: ١٨، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى ج ٥ ص ٣٥٤ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>