[الإسلام والتطور]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يتهم بعض الناس الإسلام بأنه دين قديم لا يصلح للعصر، وذلك من واقع النداءات التى تدعو؟ إلى القديم وتقاطع الجديد، فكيف نرد على هذا الاتهام؟
الجواب
مبدئيا نقول: من الخطأ أن يُحكم على المبدأ من سلوك من يمارسونه، فقد تكون الممارسة خطأ والمبدأ صحيحا، ومن هذا المنفذ وجه الأعداء تهما كثيرة إلى الدين الإسلامى بناء على حال من يمارسونه فى هذه الأيام بالذات وكثير ممن ينتسبون إلى الإسلام يهملون تعاليمه أو يتمسكون بقشور ليست من صميم الدين كما هو حاصل فى هذه الأيام من الحملة الشرسة على الإسلام من واقع سلوك المنحرفين الذين يتورطون فى أخطاء جسيمة باسم الدين.
وإذا أُريد الحكم على المبدأ من واقع تطبيقه فليكن ذلك ممن طبقوه تطبيقا صحيحا، فالإسلام وهو الدين الحق لإخراج الناس من الظلمات إلى النور- فهمه الأولون فهما صحيحًا وطبقوه تطبيقا صحيحًا فكان لهم السلطان والقوة وتحقق فيهم وعد الله لمن آمن واعتنق الإسلام وطبقه بصدق، والتاريخ شاهد على ذلك، وفى هذا يقول الله سبحانه {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدِّلنهم من بعد خوفهم أمنا} النور: ٥٥.
إن الدين الإسلامى خاتمة الأديان ورسوله خاتم الرسل، فلا بد أن يكون صالحًا لكل زمان ومكان، وليس من رحمة الله أن يترك عباده بدون رسالة حتى تقوم الساعة، ومن هنا جاء الإسلام وفيه كل العناصر والمقومات التى تتجاوب مع التطور تحت ظل القيم والثوابت التى لا تتغير بتغير البيئات والعصور.
إن التطور نزعة فطرية تقوم على الانتقال من حال إلى حال أحسن. وهذه النزعة هى سر الحركة والنزوع إلى الكمال المادى والأدبى، والأديان بوجه عام تقر هذه النزعة لأنها أمر حتمى لا يمكن التمرد عليه، ومهمة الأديان هى التوجيه والإرشاد، والأديان نفسها من ظواهر التطور، فقد كانت خاصة ينسخها الدين الذى يجئ بعدها، ثم كملت وصارت عامة بمجئ دين الإسلام.
ومن مظاهر موافقة الإسلام للتطور ما يأتى:
١ -أنه يدعو إلى الأخذ بالأحسن من كل شىء {فبشر عباد. الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} الزمر: ١٧، ١٨، ولا يرضى عن القناعة بالدون ما دام الأفضل ميسرا، ففى الحديث "إن المؤمن لا يشبع من خير حتى يكون منتهاه الجنة" رواه الترمذى وحسنه.
٢ -أنه يمجد القوة فى كل شىء فى الماديات والروحانيات، ففى الحديث "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضيعف. وفى كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم.
٣- حذَّر من الجمود على القديم إذا كان فاسدا {وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أوَ لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم} الزخرف: ٢٣، ٢٤.
٤ - أقر الإسلام التجديد فى نطاق الثوابت، ففى الحديث "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" رواه الحاكم وصححه.
٥ -شجع الإسلام على العلم فهو أساس التطور، ورفع قدر العلماء، والنصوص فى ذلك كثيرة، والمراد بالعلم كل معرفة تفيد الفرد والجماعة فى إطار الدين، وذكر القرآن فى الآيتين: ٢٧، ٢٨، من سورة فاطر ما يؤكد أن العلماء الذين يؤمنون بالله أو يزدادون به إيمانا ويخشون عقابه {إنما يخشى الله من عباده العلماء} هم علماء الفلك والطبيعة والكيمياء والنبات والحيوان وطبقات الأرض والعلوم الإنسانية كلها من طب واجتماع وفلسفة وغير ذلك.
٦ -أمر الإسلام بالعمل وتطبيق العلم، وشجعه فى كل المجالات الزراعية والصناعية والتجارية وغيرها، والنصوص فى ذلك كثيرة لا يتسع لها المقام ويمكن الرجوع إلى الموضوع كله فى كتابنا "دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة".
٧ - وإذا كان الإسلام يقر التطور المادى فذلك فى نطاق الدين كما سبق ذكره، ومع ذلك يدعو إلى التطور الروحى بقوة لأنه ضمان للتطور المادى من الانحراف، وهو الباقى الخالد الذى يصحب الإنسان فى دنياه وأخراه {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} الكهف: ٤٦، {زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب. قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله} آل عمران: ١٤، ١٥.
إن الإسلام بهذا التطور كوَّن دولة عظيمة قوية فى الماضى شهد به المنصفون من العلماء، وقرروا أن مبادئه وجهود العاملين به كان لها أثر كبير فى تطور الحضارة الإنسانية فى كل المجالات.
ومن هنا نقول: إن الذين يريدون أن يحكموا على الإسلام يجب أن يحكموا عليه عن طريق مبادئه، وعن طريق التطبيق الصحيح له، ولا يجوز أن يحكموا عليه بسلوك المتأخرين الذين يجهل كثير منهم تعاليم الدين الحق، أو يطبقونها تطبيقا غير صحيح