للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رفع الأيدى عند الدعاء]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

لماذا ترفع الأيدى إلى السماء عند الدعاء؟

الجواب

يقول الله سبحانه: {وللَّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} البقرة:١١٥، فى صحيح مسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما قال:

كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت {فأينما تولوا فثم وجه الله} وذلك فى صلاة النافلة، والمعنى أن الجهات كلها للَّه، فمن توجه بعبادته إلى أية جهة فإن الله مطلع عليه وعالم به. والتعبير بوجه الله يراد به ذاته، لأن الوجه يعبر به عن الذات لأنه أشرف الأعضاء، وفى مثل قوله تعالى {إنما نطعمكم لوجه اللَّه} يراد به قاصدين إياه بعملنا، لا نقصد غيره من المخلوقات، أى نحن موحدون لا نشرك به أحدا، ومخلصون لا نرائى بما عملنا.

ومن العبادة التى يتقرب بها إلى الله الدعاء. فإذا توجه الإنسان به إلى ربه فى أى اتجاه فإن الله حاضر لا يغيب -عالم لا يغفل، وهو سبحانه قريب لا بعيد، بمعنى أنه - وإن كانت له المنزلة العليا - قريب من الناس بعلمه {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن اللَّه بكل شيء عليم} المجادلة: ٧، ولذلك قال سبحانه {وإذا سالك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} البقرة: ١٨٦، ولقربه من عباده لا داعى لرفع الصوت عند دعائه، فإنه يعلم السر وأخفى، قال تعالى {ادعوا بكم تضرعا وخفية إنه لايحب المعتدين} الأعراف: ٥٥، وإذ تبين أن اللَّه قريب من الداعى، وهو فى الوقت نفسه فى مكانته العالية وسموه اللائق بجلاله، ظهر معنى مد اليدين عند الدعاء، طلبا واستجداء لخيره وبره، كأنه سبحانه، وهو الأعلى، أمام الداعى، وهو الأدنى، يمد إليه يديه، فاليد المعطية هى العليا والآخذة هى السفلى.

وهذه الصورة الرمزية للمواجهة يشير إليها قول النبى صلى الله عليه وسلم "إذا كان أحدكم فى الصلاة فإنه يناجى ربه، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ... " رواه مسلم.

وقوله أيضا "ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فينخع أمامه، أيحب أحدكم أن يستقبل فينخع فى وجهه " رواه مسلم أيضا. فمد اليدين عند الدعاء تعبير عن المعتاد بين الناس عند طلب الأدنى من الأعلى، مستجديا متضرعا، وقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى عدة أحاديث أنه رفع يديه عند الدعاء، فى الاستسقاء وغيره، وقد ساق البخارى عدة أحاديث فى ذلك فى آخر كتاب الدعوات وصنف المنذرى فى هذا جزءا. وقال النووى فى شرح صحيح مسلم، هى أكثر من أن تحصر قال: وقد جمعت فيها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما. قال: وذكرتها فى آخر باب صفة الصلاة فى شرح المهذب "نيل الأوطار ج ٤ ص ٩ ".

من هذه الأحاديث ما رواه البخارى عن أبى موسى الأشعرى قال: دعا النبى صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه، وما رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن سلمان الفارسى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن ربكم حيى كريم يستحيى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا" أو قال " خائبتين ". "الترغيب والترهيب ج ٢ ص ١٩٥ ".

ومن هنا قال العلماء بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء بل بالندب اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم غير أن جماعة كرهوا رفع اليدين فى غير الاستسقاء، لحديث أنس "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا فى الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه ". رواه البخارى ومسلم. والقائلون بالجواز فى غير الاستسقاء ردوا على هؤلاء بأن كون أنس نفى الرؤية عنه لا يستلزم نفى رؤية غيره، كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة، والمثبت مقدم على النافى. أو يحمل حديث أنس على الرفع البليغ الذى يرى فيه بياض الإبطين وهو لا ينافى الرفع بغير ذلك، كمجرد مد اليدين وبسطهما عند الدعاء.

والبعض كره رفع اليدين مطلقا فى الاستسقاء وغيره، لحديث مسلم عن عمارة بن رويبة، وقد رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه، فقال:

قبح اللَّه هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بأصبعه المسبحة "تفسير القرطبى ج ٧ ص ٢٥٥ " ويرد عليهم بما رد على غيره.

يقول القرطبى "المرجع السابق ": والدعاء حسن كيفما تيسر، وهو المطلوب من الإنسان لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى اللَّه عز وجل والتذلل له أو الخضوع، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن وإن شاء فلا، فقد فعل ذلك النبى صلى الله عليه وسلم حسبما ورد فى الأحاديث وقد قال تعالى {ادعو ربكم تضرعا وخفية} الأعراف:٥٥، ولم ترد صفة من رفع يدين وغيرهما، وقال تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا} آل عمران: ١٩١، فمدحهم ولم يشترط حالة غير ما ذكر، وقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم فى خطبته يوم الجمعة وهو غير مستقبل القبلة. آه.

وكذلك روى عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال " اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد" وفى صحيح مسلم عن عمر: رفع النبى (صلى الله عليه وسلم) يديه بالدعاء يوم بدر.

وعلى القول بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء رويت عدة حالات فى كيفية الرفع، منها جعل ظهورهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها، وجعل بطونهما مما يلى وجهه.

وروى عكس ذلك. ومنها جعل كفيه إلى السماء وظهورهما إلى الأرض، وروى عكس ذلك وكان ذلك فى الاستسقاء كما رواه مسلم "نيل الأوطار ج ٤ ص ٩ ".

قال ابن حجر فى الفتح:قال العلماء: السنة فى كل دعاء لرفع بلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا بحصول شيء أو تحصيله أن يجعل بطن كفيه إلى السماء. وكذلك قال النووى فى شرح صحيح مسلم، حاكيا لذلك عن جماعة من العلماء. وقيل: الحكمة فى الإشارة بظهر الكفين قى الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقلب الحال كما قيل فى تحويل الرداء "المرجع السابق ".

هذا، ويكره عند الدعاء النظر إلى السماء، لحديث مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء فى الصلاة إلى السماء، أو ليخطفن اللَّه أبصارهم ".

وقد يحمل النهى على رفع البصر فى الصلاة، أما فى غيرها فلا مانع، لرواية للبخارى جاء فيها: فنظر إلى السماء، وكان ذلك فى الاستسقاء " نيل الأوطار ج ٤ ص ١٠ ". ومسح الوجه باليدين بعد رفعهما فى الدعاء ورد فيه عن عمر بن الخطاب أنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه فى الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه. رواه الترمذى وقال: غريب، أى رواه راو واحد فقط. وعن ابن عباس نحوه كما فى سنن أبى داود. قال النووى: فى إسناد كل واحد ضعف "الأذكار للنووى ص ٣٩٩" وجاء فى "بلوغ المرام " شرح "سبل السلام "ج ٤ ص ٢١٩ لابن حجر، بعد ذكر حديث عمر: أخرجه الترمذى وله شواهد منها عند أبى داود من حديث ابن عباس وغيره، ومجموعها يقضى بأنه حديث حسن فالوارد من ذلك ليس بصحيح، بل ضعيف، ولكن مجموع الشواهد يرفع درجتها إلى الحسن فتقبل. اهـ.

نكرر التنبيه فنقول: إن مد اليدين عند الدعاء يشبه ما يحدث عند طلب الفقير إحسانا من الغنى فعند شدة الحاجة قد يجثو السائل على ركبتيه، يستدر بهذا الوضع عطف المسئول، وهو فى هذا الوضع المتذلل يرفع يديه إلى أعلى يتلقى بهما الإحسان فالمسلم الذى يدعو ربه يرفع يديه دليلا على تذلله وشدة حاجته، ولذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى ذلك ويبالغ فيه فى الاستسقاء ونحوه، وليس ذلك مستلزما وجود اللَّه فى السماء، فهو سبحانه، منزه عن المكان، بل ذلك دليل على علو مكانته سبحانه وتعالى فى أذكار النووى عن رفع اليدين ومسح الوجه ثلاثة أوجه للشافعية أصحها استحباب الرفع وعدم مسح الوجه، والثانى الرفع والمسح والثالث عدم الاثنين

<<  <  ج: ص:  >  >>