هل كان كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بوحى من الله سبحانه، أم كان يجتهد فى بعض الأحيان فيما لم ينزل عليه فيه وحى، وإذا اجتهد هل كان اجتهاده كله صوابا أم كان بعضه خطأ؟
الجواب
الكلام فى هذا الموضوع قد عنيت به كتب الحديث والأصول، ولا يتسع له المقام هنا، وخلاصته أن للعلماء فى جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ثلاثة آراء:
١ - رأى يقول بامتناع الاجتهاد عليه، لإمكانه الوصول إلى ما يريد عن طريق الوحى، ولكن رد عليه بأن إنزال الوحى ليس فى قدرته، وقد يكون فى حاجة ماسة إلى الإجابة على سؤال أو التصرف فى أمر عاجل، وعندما انتظر نزول جبريل عليه فتر الوحى مدة، وعندما جاء سأله الرسول، فقال {وما نتنزل إلا بأمر ربك} مريم: ٦٤.
٢ -ورأى يقول بجواز الاجتهاد وبوقوعه بالفعل منه، كما حدث فى التشاور فى أسرى بدر، وفى إذنه لبعض الناس فى التخلف عن الغزوة، وقد جاء فى ذلك قوله تعالى {ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض} الأنفال: ٦٧ وقوله {عفا الله عنك لمَ أذنت لهم} التوبة: ٤٣ حيث عاتبه الله سبحانه، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحى.
٣ - ورأى يقول بجواز اجتهاده فى الأمور السريعة الضاغطة كالحروب، وبعدم جوازه فى غير ذلك، وهذا الرأى فيه جمع بين الأعلة، وهو رأى حسن. والذين قالوا بجواز اجتهاده قال بعضهم: لا يجوز عليه الخطأ فكلُّ اجتهاده صحيح.، كما ذكره ابن أبى هريرة والماوردى، وذلك لأنه لا نبى بعده يستدرك خطأه فلذا عصم من بينهم، وقال ابن السبكى: الصواب أن اجتهاده لا يخطئ تنزيها لمنصب النبوة عن الخطأ فى الاجتهاد، وقال آخرون: يجوز عليه الخطأ ولكن لا يُقَرُّ عليه، بل ينزل الوحى بتصحيحه، ومع جواز الخطأ هو مأجور، وعتاب الله له فى مثل الأسرى ليس عقابا، "راجع الزرقانى على المواهب ج ٨ ص ٢٨١ والسياسة الشرعية للشيخ عبد الرحمن تاج"