للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

قال تعالى عن أهل الكتاب {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} فهل كانوا يعبدونهم ويتقربون إليهم؟

الجواب

قال تعالى {وقالت اليهود عزير ابن اللَّه وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اللَّه أنى يؤفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} التوبة: ٣٠، ٣١.

فى هاتين الآيتين نعى على اليهود والنصارى الذين نسبوا إلى الله ولدا كما قال الكفار: الملائكة بنات اللَّه، ونعى عليهم أنهم اتخذوا رؤساءهم الروحيين أربابا من دون اللَّه، فما معنى اتخاذهم أربابا؟ جاء فى تفسير القرطبى "ج ٨ ص ١٢٠ " قال أهل المعانى: جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم فى كل شىء، ومنه قوله تعالى {قال انفخوا حتى إذا جعله نارا} أى كالنار. وقد سئل حذيفة عن معنى هذه الآية هل عبدوهم؟ فقال: لا، ولكن أحلوا لهم الحرام فاستحلوه، وحرموا عليهم الحلال فحرموه، وروى الترمذى عن عدى ابن حاتم قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وفى عنقى صليب من ذهب، فقال " ما هذا يا عدى اطرح عنك هذا الوثن " وسمعته يقرأ فى سورة براءة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللَّه والمسيح ابن مريم} ثم قال " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " قال: هذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعْيَن ليس بمعروف فى الحديث. .

يؤخذ من هذا أن تفسير اتخاذهم أربابا بطاعتهم فى التحليل والتحريم ليس فيه نص صحيح يعتمد عليه، وإنما هو اجتهاد غير ملزم، فغاية ما يمكن أخذه من الآية أن طاعة الأحبار والرهبان طاعة مطلقة كطاعة الله خطأ، لأن هؤلاء الرؤساء غير معصومين، فقد تجر طاعتهم إلى العصيان أو الكفر. والإِسلام إذا كان يأمر بطاعة أولى الأمر فذلك محله فى غير المعصية، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، وقد صح فى حديث المبايعة الذى رواه البخارى ومسلم أن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازعَ الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان.

والبواح -بضم الباء هو الصراح - بضم الصاد - الذى جاء فى رواية الطبرانى، وهو أيضا البراح - بضم الباء وبالراء بدل الواو - الذى جاء فى بعض الروايات، والوراد به الظاهر البيِّن الذى تشهد له النصوص ولا يقبل التأويل. ومع عدم الطاعة فى المعصية هل يجوز الخروج على ولى الأمر وعزله؟ إن حديث عبادة يدل على أنه لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر الواضح الذى ليس فيه شبهة، ومنه الطعن فى صلاحية حكم الله، واعتقاد ما أجمع على حرمته كالزنى والربا أنه حلال، أما ارتكاب المحرمات بغير اعتقاد حلها فهو عصيان لا يخرج به إلى الكفر ولا يجيز الخروج عليه، لكن النووى حمل الكفر فى الحديث على المعصية، وابن حجر فصل فى الموضوع فقال: والذى يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة فى الولاية فلا ينازعه بما يقدح فى الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح فى الولاية نازعه فى المعصية، بأن ينكر عليه برفق، ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرا.

وعلى ضوء ما قاله ابن حجر: إن فسق الإِمام ولم يكفر وجب نصحه بالأسلوب الذى يرجى منه الخير ولا يؤدى إلى فتنة.

ووضع قوانين تحليل الحرام كالربا والخمر حرام دون شك، لكن لا يحكم بالكفر على واضعها والحاكم بها بناء على قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل اللَّه فأولئك هم الكافرون} إلا إذا كان هناك اعتقاد بأن حكم اللَّه غير صحيح، وأن القانون الوضعى هو الصحيح، والطاعة لهذه القوانين غير جائزة، سواء كانت من منطلق كفر من وضعوها أو عصيانهم وفسقهم، لأن طاعتها تدخل تحت الاية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} ولابد من تغيير هذا المنكر، لكن بالطرق المشروعة التى لا تؤدى إلى فتنة، ويمكن الرجوع إلى كتابنا " نعم، الإِسلام هو الحل ولكن أين الطريق " الذى أعيد نشره بعنوان " المنهج السليم إلى صراط اللَّه المستقيم " أو إلى كتابنا: الإِسلام ومشاكل الحياة أو إلى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف "

<<  <  ج: ص:  >  >>