[الدليل على وجود الله ورسالة محمد (ص)]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو الدليل المقنع على وجود الله وعلى أن محمدا رسول حقا من عند الله؟
الجواب
١ - الدليل المقنع على وجود الله هو آثاره المشاهدة التى لا يمكن أن تكون موجودة بنفسها من غير قوة كبرى على قدرة وعلم وصفات يصدر عنها هذا الإبداع وهى قوة اللَّه تعالى، ومن البدهيات أن كل صنعة لابد لها من صانع، وكلما كانت الصنعة أحكم كان صانعها على أعلى مستوى من الحكمة، وكما قال الحكماء: ليس هذا العالم مخلوقًا بالطبع أو بالعلة، لأن مطبوع الطبيعة لا يختلف، بل بلتزم شكلاً واحدًا، ومعلول العلة لا يتخلف، بل لابد أن يكون ملازمًا لعلته وجودًا وعدمًا، حدوثًا وقدما.
إن الإيمان بوجود اللَّه حقيقة مقررة في فطرة الإنسان منذ خلق، كما نص الحديث الصحيح.
"ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهؤَدانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء" يقول أبو هريرة راوى الحديث: اقرءوا إن شئتم {فطرة اللَّه التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} الروم: ٣٠، رواه البخارى ومسلم.
إن الرجل البدوى حين سئل عن وجود اللَّه نطق بفطرته فقال: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟ .
وأنت تعلم أن آدم عليه السلام خلق وهبط الأرض وفي قلبه هذه الحقيقة، ونشأت ذريته الأولى على هذا الإيمان. ولما تفرقوا في طول الأرض وعرضها شغلهم طلب العيش والمأوى عن التفكير في خالق هذا الكون، وساقتهم فطرتهم إلى أن هناك من هو أقوى منهم، يسيرهم، ويسيطر عليهم، بما يرونه من كواكب ونجوم ومخلوقات شتى، وحاولوا التقرب إليها أو التحصن ضد خطرها، وكما يحدثنا علماء الفلسفة والأجناس البشرية، رمزوا إلى هذه القوة الخفية بما يعبر عن عقيدتهم في شكل تمثال أو غيره.، ومن هنا جاء الرسل لتلفت أنظار الضالين إلى حقيقة الألوهية.
ومهما يكن من شيء فإن علماء العصر الحديث -على الرغم من تنكر بعضهم للدين الذى عاشوا فى ظله قرونا، وحرمهم كثيرا مما يحتمه انطلاق الفكر ونشاط الإرادة - لم يستطيعوا أن ينكروا وجود اللَّه وراء هذه المادة التى هي وعاء علمهم وتجارتهم، وكان أسلوبهم في البحث بعيدًا عن الأسلوب الدينى التقليدى الذى ثاروا عليه، ولو شئت لأوردت لك كثيرًا من أقوال كبارهم فى إثبات وجود اللَّه، ولكنى أحيلك على كتاب "الله يتجلى في عصر العلم " الذى جمع فيه "جون كلوفر مونسما " الباحث الديني الاجتماعي كثيرًا من شهادات علماء أمريكا المتخصصين في كل العلوم، بما يؤكد اعتراف العلم بوجود اللَّه.
وإن شئت دليلا على طريقة المتكلمين وعلماء التوحيد على وجود اللَّه أحيلك على "رسالة التوحيد " للشيخ محمد عبده، ولعلك توفق إلى فهم الأسلوب الموضوع للاستدلال على وجوده سبحانه.
وأعتقد أيها السائل أنك ما دمت مسلمًا ومؤمنًا بالتالي بوجود اللَّه فلا تشغل نفسك بأمر لا يعني به إلا الفلاسفة والعلماء المتخصصون الذين ينفقون وقتًا كبيرًا في الجدل والمناقشة. ونحن أحوج ما نكون إلى أي وقت وأي جهد يبذل في سبيل المعركة المصيرية التي يخوضها المسلمون عامة فى هذه الأيام.
٢ - إن قيام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى دين جديد حقيقة تاريخية مقررة لاشك فيها، وتلك آثارها شاهد صدق عليها.
ولما جاء بالدعوة وكذبه قومه طلبوا منه ما يدل على صدقه، بالإضافة إلى ما عرفوه عنه من صدق وأمانة، وقد انترع منهم هذا التصديق المبدئي بقوله " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي "؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا فقال لهم "إنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد" ولذلك جاء على لسان من عرضت عليه الدعوة وعرف أنه مشهور بالصدق: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على اللَّه.
فلما أصروا على كذبهم ظلمَا وعلوا وقد استيقنت أنفسهم صدقه طلبوا منه آية أي علامة تدل على صدقه في أنه رسول اللَّه من عند اللَّه، وليس مدعيًا ذلك من نفسه فجاءهم بالقرآن متحديًا إياهم به، فعجزوا عن الإتيان بمثله، بل بعشر سورٍ، بل بسورة واحدة، على الرغم من أنهم فرسان البلاغة والفصاحة. وقد نص على ذلك قول الله تعالى {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا} الإسراء: ٨٨.
وحيث إنهم عجزوا عن محاكاته: عُلم أنه ليس من صنعه فيكون من صنع اللَّه وحده، الذي جعل هذه المعجزة دليلاً على أن الرسول مبعوث من عند الله. وقد صح في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم "ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه اللَّه إلىَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ".
وإذا صدقنا بالقرآن معجزة صدقنا برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبكل ما جاء به، فالآيات في القرآن كثيرة تثبت رسالة جميع الرسل السابقين.وإن شئت توضيحًا لهذه الحقيقة فارجع إلى "رسالة التوحيد" للشيخ محمد عبده.
٣٠/٠٨/٩٩٢٤٢٤٢٤٢٤٢٤٠٤:٤٥ ص