[حكم النوم فى المسجد]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
فى بعض الأوقات ينام الإنسان فى المسجد لاتقاء شدة الحر أو البرد مثلا، أو لعدم وجود مكان يستريح فيه ليستأنف السفر أو لغرض آخر فما حكم هذا النوم؟
الجواب
معروف أن بيوت اللَّه جعلت للعبادة ومزاولة أعمال الخير التى لا تخل بحرمتها ولا تؤذى من يتعبد فيها، ومعروف أيضا أن الملائكة تحب التردد على المساجد لما فيها من ذكر لله وقراءة القرآن ومدارسته كما ثبت فى الحديث، وأنها تحب الرائحة الطيبة وتنفر من الرائحة الكريهة، ومعروف أن الحديث نهى من أكل ثوما أو بصلا أن يؤذى من فى المسجد برائحته.
ومن المعروف أن النائم فى المسجد قد يخرج منه ما يؤذى ويضايق، وقد تبدو منه فى نومه بعض مواضع يستحيا من كشفها، أو أصوات شخير وغير ذلك مما فيه إيذاء، ومن هنا تحدث العلماء عن حكم النوم فى المسجد من واقع ما ورد من الآثار فى ذلك.
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم رؤى فى المسجد مستلقيا واضعا إحدى رجليه على الأخرى، كما صح أن عمر وعثمان كانا يستلقيان أحيانا بالمسجد النبوى، وروى البخارى وغيره أن ابن عمر كان ينام فى المسجد النبوى وهو أعزب، ومعه بعض الشبان ينامون ليلا ويقيلون وقت الظهيرة، كما أخرج البخارى أن عليا غاضب فاطمة فذهب إلى المسجد ونام فيه وسقط رداؤه عنه وأصابه تراب، فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يمسحه ويقول: " قم أبا تراب ".
وكان فى المسجد النبوى صفَّة، أى مكان مظلل يأوى إليه المساكين وينزل فيه ضيوف الرسول عليه الصلاة والسلام، وصح فى البخارى ومسلم أنه ضرب قبة أى خيمة فى المسجد على سعد بن معاذ لما أصيب يوم الخندق وذلك ليمرَّض فيها، وأنه جعل خيمة فى المسجد للمرأة السوداء التى ترفع القمامة منه، ولما أسر ثمامة بن أثال - وهو مشرك -ربط مدة بسارية فى المسجد النبوى.
وبناء على هذا قال العلماء: إذا كانت هناك حاجة إلى المبيت بالمسجد فلا حرج ومن ذلك المعتكف، وكذلك مالا يستدام كبيتوتة الضيف الذى لا أهل له. والمريض والمسافر والفقير الذى لا بيت له، ومن يشرف على المسجد من نظافة وخدمة وأذان وإمامة إذا لم تكن لهم بيوت خاصة.
وعلى هذا الحكم جمهور العلماء، وإن كان ابن مسعود كره النوم فى المسجد مطلقا، وسئل ابن عباس عن المبيت بالمسجد فقال: إن كان لحاجة كالغريب الذى لا أهل له أو الفقير الذى لا بيت له إذا كان يبيت بمقدار الحاجة ثم ينتقل فلا بأس وأما من اتخذه مبيتا ومقيلا فينهى عن ذلك، والإمام مالك أباح النوم فى المسجد لمن ليس له مسكن، أما من له مسكن فيكره نومه فى المسجد.
والخلاصة أن النوم فى المسجد ليس بحرام، ولكنه مكروه لغير حاجة، فإن كانت هناك حاجة سواء أكانت دائمة أو مؤقتة فلا كراهة "غذاء الألباب للسفارينى ج ٢ ص ٢٥٧ ".
موضوع (٣٩٦) المساجد التى بها أضرحة.
سئل:
ما هو رأى الدين فى المساجد التى بها أضرحة؟ أجاب:
يوجد فى العمارة الإسلامية ما يسمى بالأضرحة، جمع ضريح، وهو الشق فى وسط القبر، وعرف بهذا الاسم إذا دفن فيه شخص له مكانة دينية أو علمية أو غيرهما من القيم، واتخذت الأضرحة شكلاً معينا من البناء تعلوه قبة، وكثرت فى مصر فى عهد الفاطميين الذين أقاموا كثيرا منها لآل البيت وكبار رجال الدولة، وعرفت بالمشاهد أسوة بما أطلق على أضرحة الأئمة العلويين، ثم جاءت الدولة الأيوبية وأقامت مثلها لكبار الرجال من أهل السنة، كان من أكبرها ضريح الإمام الشافعى المتوفى سنة ٢٠٤ هـ والذى أقامته أم السلطان الكامل سنة ٦٠٨ هـ، ثم أصبحت القاعدة بعد ذلك إلحاق القباب بالمدارس والمساجد والخانقاوات.
وأول قبة على ضريح فى تاريخ الإسلام هى قبة الصليبية فى مدينة "سمارا" بالعراق على الضفة الغربية من نهر دجلة، وأنشئت سنة ٢٨٤ هـ ومن أقدمها ضريح الإمام على فى النجف الذى أقامه الحمدانيون سنة ٣١٧ هـ[مساجد مصر وأولياؤها للدكتورة سعاد ماهر] .
٢- والمسجد كل مكان يسجد فيه للصلاة، ثم أطلق على المكان الذى يتقرب إلى الله فيه بالعبادة، وفيما قبل الإسلام كانت العبادات لا تؤدى إلا فى أماكن خاصة اختار لها الناس مكانا محترما عندهم، كالمكان الذى يدفن فيه الأنبياء والصالحون، أما فى الإسلام فإن العبادات وعلى رأسها الصلاة تؤدى فى أى مكان من الأرض، اللهم إلا ما كان من عبادة الحج فلها أماكن خاصة يقصدها المسلمون من كل فج عميق عند الاستطاعة، صح فى الحديث الذى فضل الله فيه سيدنا محمدا على الأنبياء السابقين أن اللَّه جعل له الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا.
لقد تحدث القرآن الكريم عن أهل الكهف الذين كانوا قبل الإسلام، بأن من عثروا عليهم بنوا مسجدا على قبورهم كما قال تعالى {فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} الكهف: ٢١، وصح فى البخارى ومسلم "مسلم ج ٥ ص ١١ " أن أم حبيبة وأم سلمة- وكانتا من المهاجرين إلى الحبشة - ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها فى الحبشة فيها تصاوير للرسول، فقال "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند اللَّه يوم القيامة" وجاء فى صحيح مسلم عن عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فى مرضه الأخير "لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالت عائشة:
فلولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا.
وفى بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يموت بخمس كما قاله جُنْدَب، ولما احتاج الصحابة إلى الزيادة فى مسجده وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة مدفن الرسول وصاحبيه أبى بكر وعمر -بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر فى المسجد فيصلى إليه العوام، ويؤدى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركنى القبر الشماليين حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر.
٣- يؤخذ من هذا أن الإسلام لا يوافق على ما فعله اليهود والنصارى من بناء المساجد على القبور، واتخاذها أماكن للعبادة، واتخاذ القبر مسجدا يصور بصورتين: جعل مكان السجود على القبر ذاته، أو جعل القبر أمام المصلى ليتجه إليه بالعبادة، وبذلك يفسر قول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم "لا تصلوا على القبور ولا تجلسوا عليها" وللحيلولة دون تقديس القبور وأصحابها بالصلاة عليها أمر النبى صلى الله عليه وسلم بعدم البناء على القبور أو رفعها، ففى صحيح مسلم عن على رضى اللَّه عنه أن الرسول قال له لما بعثه "ولا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها " يقول القرطبى فى تفسيره "ج ١٠ ص ٣٧٩" قال علماؤنا: ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة بالأرض، أى لاصقة، وبه قال بعض أهل العلم، وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم، وذلك صفة قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضى الله عنهما، على ما ذكره مالك فى الموطأ، وقبر أبينا آدم على ما رواه الدارقطنى من حديث ابن عباس، وأما تعلية البناء الكثيرة على ما كانت تفعله الجاهلية تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال، فالزيادة حرام، والتسنيم فى القبر ارتفاعه قدر شبر، مأخوذ من سنام البعير [يراجع نيل الأوطار للشوكانى ج ٤ ص ٨٩] .
ومما ورد فى النهى عن اتخاذها مساجد قول ابن عباس رضى الله عنهما: لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، رواه أبو داود والترمذى وحسنه، قال القرطبى: قال علماؤنا:
هذا يحرِّم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد، وروى الأئمة عن أبى مرثد الغنوى أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لاتصلوا على القبور ولا تجلسوا عليها".
٤- ومن احتياطات العلماء لعدم الصلاة على المقابر نهوا عن الدفن فى المساجد أو عمل مسجد على القبر، قال النووى فى شرح المهذب ص ٣١٦ ما نصه: اتفقت نصوص الشافعى والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء أكان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره، لعموم الأحاديث، قال الشافعى والأصحاب: تكره الصلاة إلى القبور، سواء كان الميت صالحا أو غيره، قال الحافظ أبو موسى: قال الإمام الزعفرانى رحمه اللَّه: ولا يصلى إلى قبر ولا عنده تبركا ولا إعظاما، للأحاديث.
وأفتى ابن تيمية بأنه لا يجوز دفن ميت فى مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّر إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديدا، وقال: لا يجتمع فى دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق، كما نقله عنه ابن القيم فى زاد المعاد [فتوى الشيخ عبد المجيد سليم سنة ١٩٤٠ م -الفتاوى الإسلامية ج ٢ ص ٦٥٠] .
حكم الصلاة فى المسجد الذى فيه قبر: إذا كان القبر فى مكان منعزل عن المسجد أى لا يصلى فيه، فالصلاة فى المسجد الذى يجاوره صحيحة ولا حرمة ولا كراهة فيها أما إذا كان القبر فى داخل المسجد، فإن الصلاة باطلة ومحرمة على مذهب أحمد بن حنبل، جائزة وصحيحة عند الأئمة الثلاثة، غاية الأمر أنهم قالوا: يكره أن يكون القبر أمام المصلى، لما فيه من التشبه بالصلاة إليه، لكن إذا قصد بالصلاة أمام القبر تقديسه واحترامه كان ذلك حراما وربما أدى إلى الشرك، فليكن القبر خلفه أو عن يمينه أو عن يساره