للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أعمى الدنيا والآخرة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

نريد توضيحا لقوله تعالى {ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا} الإسراء: ٧٢؟

الجواب

من أحسن ما قيل فى تفسير هذه الآية ما جاء عن عكرمة أنه قال: جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس رضى الله عنهما فسألوه عن هذه الآية فقال:

اقرءوا ما قبلها من قوله تعالى {ربكم الذى يزجى لكم الفلك فى البحر لتبتغوا من فضله} إلى قوله تعالى {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} الإسراء: ٦٦- ٧٠، قال ابن عباس من كان أعمى عن هذه النعم والآيات التى رآها فهو عن الآخرة التى لم يعاينها أعمى وأضل سبيلا.

إن الذين لا يشكرون هذه النعم المحسوسة التى لا تحتاج إلى نظر دقيق أو عقل واسع قد عميت بصائرهم عن الحق، وغفلت عنه قلوبهم كالذين فقدوا أبصارهم فلا يرون شيئا من المحسوسات، بل هم أضل من الأنعام التى تسيرها الغرائز، لأنها معذورة حيث لا يوجد لها عقل كعقل بنى آدم. أما من له عقل وعطله فهو متعمد للضلال فكان أضل من الأنعام.

ولقد عبر الله سبحانه عن الذين لم يستجيبوا له عقيدة وسلوكا بأنهم عمى فقال: {ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرًا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه} طه: ١٢٤ -١٢٧، فالذين عميت بصائرهم هم فى الحقيقة عمى عن الهدى، ولا مانع أن يحشرهم الله يوم القيامة عُمىَ الأبصار، جزاء وفاقا بما كانوا عليه فى الدنيا من عمى البصائر.

أما من فتح الله بصائرهم فاتبعوا الحق فإنهم يحشرون يوم القيامة بيض الوجوه، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم حتى لو كانوا فى الدنيا ممن امتحنهم الله فى أبصارهم لكنهم رأوا قدرته وأحسوا نعمه بقلوبهم وبصائرهم، وكم فى الحياة من مكفوفى الأبصار هداهم الله إلى الحق وأعلى منزلتهم، وفى التاريخ قديمه وحديثه علماء وصالحون من هذا النوع

<<  <  ج: ص:  >  >>