[اقرار رجل ببنوة ولد من زوجة ونفيها هى لذلك]
المفتي
حسن مأمون.
رمضان ١٣٧٧ هجرية - ٢٩ مارس ١٩٥٨ م
المبادئ
١- إقرار الرجل بولد من زوجة معينة ومصادقتها له فى ذلك يقتضى ثبوت نسبه منهما وزوجيتها له ولو كانت مصادقتها له بعد وفاته، ويرثان هذا الرجل ويرثهما عند وفاة أى منهما.
٢- إذا لم تصادقه الزوجة ولو بعد وفاته يثبت نسبه منه وحده ويتوارثان بهذه العلاقة، ولا توارث بين الرجل والمرأة لعدم وجود سبب يقتضيه.
٣- إذا أقامت المرأة حجة على ولادتها للولد ولو شهادة قابلة ثبت نسبه منها ويتوارثان، ولا أثر لثبوت الزوجية بذلك بين الرجل والمرأة لجواز أن يكون ذك من وطء بشبهة.
٤- إذا لم تشهد القابلة بذلك صح إقرارها به، لأن الإلزام فيه على نفسها دون غيرها ويجرى التوارث بينهما، ولكن لايقضى بنسبه منها لأنه لا يثبت بلا حجة وأدناها شهادة القابلة
السؤال
من السيد الأستاذ.
المحامى بالسودان بالطلب المتضمن أن امرأة ادعت على رجل أنه أخذ ابنها البالغ عمره خمس سنوات، وطلبت من المحكمة الشرعية الحكم لها عليه برده ومنعه من التعرض لها فيه، وأجاب الرجل عن دعواها بأن الولد ابنه منها من فراش زواج شرعى وأنه طفلهما وأنها غير مستقيمة فلا تستحق حضانته شرعا وأنكرت هى زوجيتها منه، وقررت أن الولد ابنها من الزنا وليس له أب معروف، وإنها لم تكن فى عصمته بزواج شرعى وقت اتصال المدعى عليه بها، فكلفت المحكمة الرجل بإثبات زواجه بها، وقبل أن يحضر شهوده توفى بصدمة كهرباء.
فطالب إخواته لأبيه وإخواته لأمه شركة النور بتعويض عن وفاته، لأنه كان يساعدهم فى نفقات من تلزمهم نفقتهم ولم يذكروا الابن المتنازع عليه، لأنهم لا يعلمون أن المتوفى كان زوجا لأمه، فحكمت المحكمة لهم بتعويض قدره ١٢٥٠ جنيها.
ويسأل هل هذا الولد ابن شرعى للمتوفى، وهل التعويض المذكور تركة عنه تقسم بين ورثته قسمة الميراث
الجواب
عن هذا الاستفتاء يقتضينا التقديم له بالنصوص الفقهية الكاشفة حكم هذه الحادثة فنقول جاء فى الزيلعى ج ٥ ص ٢٧ ما ملخصه وصح إقراره بالولد لأنه إقرار على نفسه وليس فيه حمل النسب على الغير وشرطه أن يكون الولد مجهول النسب يولد مثله لمثله، وأن يصدقه الغلام لأن الحق له فلا يثبت بدون تصديق إذا كان مميزا، فإن كان لا يعبر عن نفسه لا يعتبر تصديقه لأنه فى يد غيره، وذلك لأن النسب من الحوائج الأصلية وهو إقرار على نفسه، وليس فيه ضرر على غيره قصدا فيصح ويثبت النسب، وكما صح إقراره بالولد على الوجه السابق يصح إقراره بالزوجية لأن موجب إقراره يثبت بينهما يتصادقهما على غير إضرار بأحد فينفذا إذا صدقته، وكانت خالية من الأزواج وعدتهم، ولم يكن تحته لأختها أو أربع سواها، كما يصح إقرارها بالولد إن شهدت لها القابلة أو صدقها الزوج، لأن قول القابلة حجة تعيين الولد - والنسب يثبت بالفراش.
لقوله عليه السلام (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فإذا صدقها فقد أقر به فلزمهما بالإقرار له - وهذا إذا كانت ذات زوج أو معتدة وادعت أن الولد منه، لأن فيه تحميل النسب عليه فلا يلزمه بقولها، أما إذا لم يكن لها زوج ولا هى معتدة أو كان لها زوج وادعت أن الولد من غيره صح إقرارها، لأن الإلزام فيه على نفسها دون غيرها فينفذ عليها ويتوارثان.
إذا لم يكن لها وراث معروف، لأنه اعتبر إقرارها فى حق نفسها ولا يقضى بالنسب، لأنه لا يثبت بدون الحجة وهى شهادة القابلة فإن شهدت لها وصدقها الولد يثبت نسبه منها، وكذلك إذا لم تشهد لها القابلة وقد صدقها زوجها فيه ثبت النسب منهما، لأنه يثبت بتصادقهما لعدم تعديه إلي غيرهما كذا فى شرح الكافى انتهى.
وجاء فى البحر ج ٤ ص ١٦٥ ومن قال لغلام هو ابنى ومات فقالت أمه أنا امرأته وهو ابنه يرثان استحسانا، لأن المسألة فيما إذا كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام والنكاح الصحيح هو المتعين وضعا وعادة، لأنه الموضوع لحصول الإدلاء دون غيره.
وفى غاية البيان أنه ليس من الإقتضاء فى شئ، لأن المقتضى وهو النسب يصح بلا ثبوت المقتضى وهو النكاح بأن يكون الوطء بشبهة أو تكون أم ولده فلم يفتقر النسب فى ثبوته إلى النكاح لا محالة فمما سبق من النصوص يتضح أن الحكم فى هذه الحالة يختلف فى حالتى مصادقة هذه المرأة على زوجيتها من هذا الرجل وعدم مصادقتها.
ففى الحالة الأولى وهى حالة مصادقتها على زوجيتها منه ورزقها بالولد على فراش هذه الزوجية ولو جاءت هذه المصادقة منها بعد وفاته يكون هذا الولد موضوع النزاع ابنا لهذا الرجل من هذه المرأة ويغتفر تناقضها فى الإقرارين حفظا لكيان الولد واحتياطا لإثبات نسبه.
ويجرى التوارث بينهما وبين هذا الرجل بصفتها زوجة له فى هذه الحالة.
وفى الحالة الثانية وهى حالة عدم مصادقتها على زوجيتها منه بعد وفاته يكون لهذا الولد معهما حكمان مختلفان فبالنسبة للرجل يثبت نسب الولد منه وحده ويرثه الولد ميراث الابن، لأن إقرار الرجل به فى هذه الحالة استوفى شرائطه الشرعية الموجبة لثبوت نسبه منه، ولا توارث بين الرجل والمرأة حينئذ، لعدم وجود سبب الإرث وهو الزوجية الصحيح.
وبالنسبة للمرأة فإن أقامت حجة على ولادتها له ولو كانت شهادة القابلة ثبت نسبه منها أيضا وورثها ميراث الابن، ولا يترتب على ذلك ثبوت الزوجية بين الرجل والمرأة، لجواز أن يكون الوطء شبهة، كما عزاه صاحب البحر إلى غابة البيان - ومن ثم لا ترثه ميراث زوجة فى هذه الحالة وإن ورث الولد كلا منهما بوصفه ابنا، وإن لم تشهد القابلة صح إقرارها به، لأن الإلزام فيه على نفسها دون غيرها فينفذ عليها ويجرى التوارث بينها وبينه إن لم يكن لها وارث معروف ولا يقضى بنسبه منها، لأنه لا يثبت بدون حجة أدناها شهادة القابلة، هذا بالنسبة لنسب الولد.
وأما بالنسبة لمبلغ التعويض فإنه لا يعتبر تركة عنه تقسيم بين ورثته قمسة الميراث، لأن التركة هى المال الذى يكون مملوكا للمتوفى حين وفاته، ومبلغ التعويض المشار إليه لم يتقرر له إلا بعد وفاته بحكم المحكمة المدنية فلا يعتبر شرعا تركة عنه.
وأما ما يخص الولد فى التعويض. فالظاهر أن هذه المسالة لم تثر فى القضية نظرا لأن المدعين لا يعترفون بالولد، ولو أثيرت وعرفت المحكمة أن للمتوفى ابنا لأدخلته فى مبلغ التعويض ولبينت نصيبه فيه ونصيب غيره - ومع ذلك فيمكن الاطلاع على الحكم ومعرفة أسبابه.
فإن ظهر منها أنها عوضت المدعين عما كان ينفقه عليهم أخوهم قبل وفاته، وقدرت أن هذا المورد قد انقطع وقررت التعويض بالمبلغ الذى ذكرته فى حكمها، فإن هذا المبلغ يكون مستحقا لهم كما حكمت المحكمة، أما إذا كان المبلغ الذى حكمت به لتعويض ورثته بصفتهم ورثة فهنا يكون البحث عن الابن وضرورة إدخاله فى النزاع ليأخذ نصيبه فى التعويض بعد إثبات بنوته له وأنه كان معه وكان يقوم بالإنفاق عليه.
والله أعلم