للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث فى فضل القرآن]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

نريد شرح الحديث الشريف الذى يقول " خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه "؟

الجواب

هذا الحديث رواه البخارى ومسلم، وتوضيح معناه يقتضينا أن نتحدث عن معنى الخيرية، وعن السبب الذى من أجله كان تعلم القرآن وتعليمه بهذه المنزلة العالية، وعن الآثار الواردة فى فضل التعلم والتعليم، وعن واجبنا نحو القرآن الكريم.

فمعنى " خيركم من تعلم القران وعلَّمه " أفضلكم من انتسب إلى القرآن عن هذه الصلة، وهل هو أفضل الناس على الإطلاق، أو أفضل جماعة معينة منهم؟ لقد ورد مثلا قوله صلى الله عليه وسلم " خيركم خيركم لأهله " رواه الترمذى والنسائى والحاكم فهل الرجل الذى هو خير لأهله أفضل الناس جميعا؟ توفيقا بين التعبيرات الواردة في بيان الأفضلية قال العلماء: إن الأفضلية هنا نسبية، أو بالإضافة إلى جماعة معينة من الناس. فأفضل المشتغلين بالعلم هم المشتغلون بالقرآن، وأفضل المتعاملين مع الناس بالخير هم المتعاملون بالخير مع أهلهم. فكلٌّ فى بابه افضل وبالنسبة لجماعته ونوعه أشرف.

ولماذا كانت أشرف مهمة علمية هى ما كانت متصلة بالقرآن الكريم؟ الجواب أن القرآن كلام الله، وكل ما كان متصلا بالله كان أشرف شئ فى الوجود، وأن القرآن دستور الحياة المثالية دنيا وأخرى وكل ما كان كذلك كانت الصلة به أشرف، والانتساب إليه أكرم. وكلام الله عند تلاوتنا له وتفقهنا فيه يزيدنا إيمانا بالله وإدراكا لعظمته.

ودستور الحياة السعيدة كلما تعمقنا فى حفظه ودراسته قويت الرغبة فى احترامه والعمل على الإفادة من هدايته. والمعرفة عق طريق القرآن معرفة صادقة، والتطبيق على أساسها مضمون النتيجة، قال تعالى {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} [طه: ١٢٣] وقال {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} [إبراهيم: ٢] .

وتعليمنا للقرآن نشر لهدايته، وتوعية للناس بدستورهم، وأساس لمعرفة حقوقهم وواجباتهم، والمعرفة هى طريق العمل، والثقافة داعية النهوض بالمجتمع. والقرآن بالذات جماع الثقافات الصحيحة والمعرفة الصادقة، ودعوته دعوة للحضارة الأصيلة الشاملة، فهو ليس كتابا روحانيا محضا يرتل للعبادة فحسب، بل هو نظام حياة كاملة فى جميع قطاعاتها المادية والروحية، إنه يدعو إلى العلم والعمل والتطور والنهوض، ويربى جيلا قوى العقيدة، مستقيم الفكر، صافى النفس، متين الخلق، جديرا بحياة كلها قوة ورخاء وازدهار.

ولأهمية القرآن وضرورته للحياة السعيدة جاءت النصوص الكثيرة مرِّغبة فى الإقبال عليه، محذرة من التجافى عنه. ففى مجال تعلمه وقراءته وتدبره ودراسته والتفقه فيه جاء قول النبى صلى الله عليه وسلم " إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله المتين، والنور المبين، والشفاء الناجع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوَّم، ولاتنقضى عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد. اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته، كل حرف عشر حسنات. أما إنى لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف، وميم حرف " رواه الحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود.

وقال عقبة بن عامر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فى الصفة،فقال " أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق، فيأتى منه بناقتين كوماوين فى غير إثم ولا قطع رحم "؟ فقلنا: يا رسول الله كلنا يحب ذلك. قال " أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع وأعدادهن من الإبل " رواه مسلم. وفى الحديث الشريف " يا ألا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلِّى مائة ركعة " رواه ابن ماجه بإسناد حسن. وفيه أيضا "ومن سلك طريقا يبتغى به علما سهَّل الله به طريقا إلى الجنة " رواد مسلم "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع " رواه الترمذى وصححه.

وفى جانب تعليم القرآن ونشر هدايته جاءت نصوص كثيرة مرغِّبة فيه، منها قوله صلى الله عليه وسلم " بلِّغوا عنى ولو آية " رواه البخارى. وهو نفسه كان معلما ومرشدا كبقية الأنبياء والمرسلين.

وكفى بذلك شرفا. قال تعالى {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا.وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} [الأحزاب: ٤٥، ٤٦] وجاء فى حديث أبى ذر "ولأن تغدو فتعلِّم بابا من العلم، عمل به أو لم يعمل، خير من أن تصلى ألف ركعة " رواه ابن ماجه وحسنه وجاء فى الاجتماع على طلب العلم وتعليمه " ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، غشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده " رواه مسلم. وجاء فى معلم الناس الخير بوجه عام قوله صلى الله عليه وسلم " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص من أجهدهم شيئا " رواه مسلم.

وبعد، فإننا نهيب بالمسلمين جميعا فى مشارق الأرض ومغاربها أن يعنوا بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبرا ودراسة وتطبيقا وتنفيذا، فبالقرآن تستقيم الألسنة باللغة، وتقوى العقيدة بالإيمان، وتتسع المدارك بالثقافة، وتزكو النفوس بالأخلاق، ويقوى المجتمع بالعمل، وتنهض الأمة بالنظام.

عليهم أن يعنوا بالقرآن الكريم ليسدوا منافذ العدو إلى العقائد والأخلاق، ولتبطل محاولات الاستعمار فى الاعتداء على الأوطان، ولينهض المجتمع بما يدعو إليه من عمل على أساس العلم والإيمان.

لقد عنى به السلف الصالح فعزوا، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. اقرءوا القرآن فإنه يأتى شفيعا لأصحابه يوم القيامة، ويقال لقارئ القرآن: اقرأ فارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، علموه أولادكم حتى يلبسكم الله تاجا من نور يوم القيامة، كما وردت بذلك الأحاديث ولا تتخذوه مهجورا، بل طبقوا مبادئه تسعدوا فى دنياكم وأخراكم، قال تعالى {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} [المائدة: ١٥، ١٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>