[عمل الكافر]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل المفكرون والمخترعون والمكتشفون والمصلحون ممن لم يعتنقوا الإسلام، يأخذون من الله أجرا على أعمالهم التى أفاد منها الكثيرون؟
الجواب
ليكن معلوما أن الثواب فى الآخرة بدخول الجنة شرطه الإيمان بالله والإخلاص له، فالكافر بالله لا يستحق ثوابا لأنه لم يؤمن والمؤمن غير المخلص لا يستحق كذلك ثوابا، لأنه عمل لغير الله، وكل ما فعله غير المؤمن من صالحات مردود عليه يوم القيامة، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى فى الذين لا يؤمنون بلقاء الله {وقدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: ٢٣ وقوله {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتى ورسلى هزوا} الكهف: ١٠٣ - ١٠٦ {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة: ٢١٧ وقوله عن المنافقين {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين. وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} التوبة: ٥٣، ٥٤ وقوله {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران: ٨٥.
فالكافر محروم من الثواب على أعماله الصالحة ولن يدخل الجنة أبدا {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء:٤٨ والمؤمن الذى يرائى بعمله هو مشرك شركا خفيا، والنصوص فى حرمانه من الثواب كثيرة.
هذا بالنظر إلى الآخرة، أما بالنظر إلى الدنيا فإن كل إنسان يستحق أن ينال جزاء عمله فيها بمشيئة الله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فالكافر لا يحرم من ثواب على أعماله الصالحة بمثل احترام الناس له ومكافأته على خدماته وتكريمه بأية وسيلة من وسائل التكريم ولا يحرمه الله من الرزق على الرغم من كفره قال تعالى {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير} البقرة: ١٢٦ وقال {لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} آل عمران: ١٩٦، ١٩٧ وقال {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} هود: ١٥، ١٦ وقال {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا. ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا. كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا} هود: ١٨ - ٢٠ العاجلة - الدنيا - فهذه الآيات تدل على أن الكافر الذى يريد الدنيا بأعماله قد ينال ثوابا دنيويا إذا أراد الله ذلك لقوله {ما نشاء لمن نريد} وليس له فى الآخرة نصيب من التكريم، والمؤمن والكافر يتمتعان فى الدنيا بنعم الله، وفى الآخرة يفترقان، فالمؤمن مصيره الجنة، والكافر مصيره النار.
روى مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جُدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال "لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين" وابن جدعان اسمه عبد الله كان من بنى تيم بن مرة من أقرباء عائشة لأنه ابن عم أبى قحاقة والد أبى بكر، اتخذ جفنة للضيفان يرقى إليها بسلم، وكان من رؤساء قريش فى الجاهلية، وروى ذلك عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها فى الدنيا ويجزى بها فى الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها فى الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها".
هذا هو حكم الكافر إذا مات على كفره، لا يجازى بخير فى الآخرة، وقد يعترض على هذا بأن الله أثاب أبا طالب على حمايته للنبى على الرغم من موته على الكفر، فقد روى مسلم أن العباس عم النبى صلى الله عليه وسلم قال له: يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال "نعم وجدته فى غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح " وروى مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال "لعله تنفعه شفاعى يوم القيامة، فيجعل فى ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه ".
لا يعترض بهذا لأن أبا طالب لا تشفع له حمايته للنبى ألا يدخل النار، فهو داخل فيها لا محالة، محروم من الجنة، وإن كان عذاب النار خفيفا عليه، فإن الفائز هو من ينتهى إلى الجنة، قال تعالى {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} آل عمران:١٨٥.
بقى أن نعرف حكم الكافر إذا أسلم ومات على الإسلام، هل تنفعه أعمال الخير وهو كافر فيثاب عليها فى الآخرة، أو يحبطها الله بسبب أنها عملت بدون إيمان بالله الآخر؟ روى مسلم حديث حكيم بن حزام الذى قال للنبى صلى الله عليه وسلم أرأيت أمورا كنت أتحنث بها فى الجاهلية، من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال صلى الله عليه وسلم "أسلمت على ما أسلفت من خير" وحكيم عاش مائة وعشرين سنة، منها ستون سنة فى الجاهلية. وستون سنة فى الإسلام، أعتق فى الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، فما معنى قول النبى له "أسلمت على ما أسلفت من خير"؟ يقول بعض العلماء: إن المعنى أنك كنت ذا طبع جميل فى الجاهلية، وصحبك طبعك فى الإسلام، فالاستعداد الطيب هو الذى ساقه إلى الإسلام، وبهذا يكون ثوابه على أعماله الطيبة مسكوتا عنه. أو يعطى حكم أعمال الكافرين. لا ثواب لها فى الآخرة، وثوابها فى الدنيا أن الله وفقه إلى الإسلام.
ويقول البعض الآخر: إن المعنى أن من أسلم يحفظ الله له ما قدمه حال كفره ولا يحرمه من ثوابها، أما من لم يسلم فلا ينفعه ذلك عند الله.
من هذا نرى أن من أدرك الإسلام ولم يسلم ومات على كفره يحبط عمله فى الآخرة ولا يثاب عليه، أما فى الدنيا فينال أجر عمله، من رزق الله له وتمتعه بمكاسب الدنيا المادية والأدبية، وكفى ذلك ثوابا