[الروح والنفس]
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
محرم ١٤٠٢ هجرية - ١٠ نوفمبر ١٩٨١ م
المبادئ
١ - الروح جسم نورانى علوى حى يسرى فى الجسد بإذن الله لا يقبل التحلل ولا التبدل ولا خلافهما تعطى للجسمس الحياة وتوابعها.
٢ - لا ينبغى الاشتغال بما استأثر الله بعمله.
٣ - جمع النقود فى المساجد جائز متى دعت الحاجة إلى ذلك بشروطها.
٤ - القاعدة العامة التى تسود حقوق كل من الزوجين قبل الآخر هى الإحسان فى المعاملة وتجنب المضارة.
٥ - المباشرة الجنسية بين الزوجين حقهما معا، ولكل منهما الاستجابة للآخر.
وعلى الزوجة حفظ ماله وكتم أسراره. وألا تدخل بيته أحدا دون إذنه.
٦ - الحامل إذا ماتت فى الولادة تغسل ويصلى عليها.
ولها حكم الشهداء فى الآخرة
السؤال
بكتاب الهيئة العامة للاستعلامات - قطاع الإعلام الخارجى وحدة تركيا المؤرخ ٣١ مارس شنة ١٩٨١ الموجه إلى السيد مدير تحرير مجلة منبر الإسلام، المحال إلى دار الإفتاء بتاريخ ٢١ سبتمر سنة ١٩٨١ وقيد بها برقم ٣٠٧ سنة ١٩٨١ يحوى أسئلة موجهة من فضيلة الأستاذ على سورمش.
واعظ مدينة ريجانلى بتركيا نصها: ١ - هل الروح هى النفس.
٢ - هل الروح هى التى تعذب أم النفس.
٣ - هل يجوز جمع النقود فى الجوامع.
٤ - ما أقوال العلماء والمفسرين فى حق الزوج.
٥ - إذا ماتت المرأة الحامل عند الولادة، ما حكم غسلها، والصلاة عليها.
وقد انتهى الخطاب بطلب نشر الإجابة على هذه الأسئلة بمجلة منبر الإسلام
الجواب
عن السؤال الأول إن كلمتى الروح والنفس ترددتا فى آيات كثيرة فى القرآن الكريم وكثر ورود الكملة الأخيرة منفردة ومجموعة قرابة الثلاثمائة مرة أو تزيد.
وقد اختلف العلماء فى الروح والنفس.
هل هما شىء واحد أو هما شيئان متغايران فقال فريق أنهما يطلقان على شىء واحد، وقد صح فى الاخبار إطلاق كل منهما على الأخرى، من هذا ما أخرجه البزار بسند صحيح عن ابى هريرة (ان المؤمن ينزل به الموت، ويعاين ما يعاين، يود لو خرجت نفسه والله تعالى يحب لقاءه، وان المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنةين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا) .
فهذا الحديث يؤيد إطلاق الروح على النفس، والنفس على الروح وقال القريق الآخر إنهما شيئان، فالروح ما به الحياة، والنفس هذا الجسد مع الروح، فللنفس يدان وعينان ورجلان ورأس يديرها، وهى تلتذ، وتفرح وتتألم وتحزن.
فالروح جسم نوارانى علوى حى يسرى فى الجسد المحسوس بإذن الله وأمره سريان الماء فى الورد، لا يقبل التحلل، ولا التبدل ولا التمزق ولا التفرق، يعطى للجسم المحسوس الحياة وتوابعها ويترقى الانسان باعتباره نفساب النواميس التى سنها الله وأمر بها فهو حين يولد يكون كباقى جنسه الحيوانى، لا يعرف إلا الأكل والشرب، ثم تظهر له باقى الصفات النفسية من الشهوة والغضب، والمرض والحسد والحلم والشجاعة، فإذا غلبت عليه إنابته إلى الله وإخلاصه فى العبادة تغلبت روحه على نفسه فأحب الله وامتثل أوامره وابتعد عما نهى عنه، وإذا تغلبت نفسه على روحه كانت شقوته.
وقد جاءت الروح فى القرآن الكريم وفى السنة بمعان، فهى تارة الوحى كما فى قوله تعالى {يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده} غافر ١٥، ويسمى القرآن روا باعتباره أحيا الناس من الكفر الشبيه بالموت، وأطلق الروح على جبريل {نزل به الروح الأمين.
على قلبك لتكون من المنذرين} الشعراء ١٩٣، ١٩٤، وقوله {وأيدناه بروح القدس} البقرة ٢٥٣، وفى الحديث الشريف (تحابوا بذكر الله وروحه) قيل المراد بالروح هنا أمر النبوة أو القرآن، وهو المعنى عند أكثر العلماء فى قوله تعالى {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} الشورى ٥٢، ولكن الروح المسئول عنها هى ما سأل عنها اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم الله فى القرآن بقوله سبحانه {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء ٨٥، فهذه الروح التى يحيا بها الإنسان، قد استأثر الله فى علمه بكنهها وحقيقتها، لم يخبر بذلك أحدا من خلقه، ولم يعط علمه بالعباد، وهى التى نفخها فى آدم وفى بنيه من بعده، وهى من خلق الله سر أودعه فى المخلوقات، وكلمة النفس تجرى على لسان العرب فى معان فيقولون خرجت نفسه أى روجه، وفى نفس فلان أن يفعل كذا أى فى روعه وفكره.
كما يقولون قتل فلان نفسه أو أهلك نفسه أى أوقع الإهلاك بذاته كلها وحقيقته، فمعنى النفس فى هذا جملة الإنسان وحقيقته.
كما فى قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء ٢٩، وتطلب كلمة النفس على الدم فيقال سالت نفسه، ذلك لأن النفس تخريج بخروجه وقد أطلق القرآن هذه الكملة على الله فى قوله {تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك} والمعنى والله أعلم - تعلم ما عندى ولا أعلم ما عندك أو كما قال ابن الأنبارى ان النفس فى هذه الآية الغيب، ويؤكده ما انتهت به الآية {إنك أنت علام الغيوب} المائدة ١١٦، أى تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم.
فلفظ الروح والنفس من الألفاظ التى تؤدى أكثر من معنى يحددها السباق والسياق واللحاق، وهما فى الواقع متغايرتان فى الدلالة حسبما تقدم وإن حلت إحداهما محل الأخرى فى كثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ولكن على سبيل المجار لا الحقيقة.
وقد اختلف أهل العلم فى الروح.
هل تموت أو لا تموت فذهبت طائفة إلى أنها تموت لقول الله سبحانه {كل شىء هالك إلا وجهه} القصص ٨٨، وقالت طائفة أخرى إنها لا تموت للأحاديث الدالة على نعيمها وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله تعالى إلى الجسد.
قال القاضى محمود الألوسى فى تفسيره (ج - ١٥ فى تفسير سورة ص ١٩٥ دار الطباعة المنيرية) والصواب أن يقال موت الروح هو مفارقتها للسجد، فان أريد بموتها هذا القدر فهى ذائقة الموت، وإن أريد أنها تنعدم وتضمحل فهى لا تموت، بل تبقى مفارقة ما شاء الله تعالى ثم إلى الجسد وتبقى معه فى نعيم أو عذاب أبد الآبدين وهى مستثناة ممن يصعق عند النفخ فى الصور على أن الصعق لا يلزم منه الموت، والهلاك ليس مختصا بالعدم، بل يتحقق بخروج - الشىء عن حد الانتفاع به ونحو ذلك.
عن السؤال الثانى تقدم اختيار تغاير النفس والروح، بمعنى ما يصدق عليه كل من هذين اللفظين إذ النفس هى مجموع الجسد والروح، أما هذه فذاتية نورانية يقذفها الله من فضله فى الإنسان عند خلقه إياه.
ومتى فارقت الروح البدن بموته كان مستقرها مختلفا، فارواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى أعلى عليين، فقد صح أن آخر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم الرفيق الأعلى) ومستقر أرواح الشهداء فى الجنة وأرواح أطفال المؤمنين ما هو قريب من ذلك وأرواح غير المسلمين وغير المؤمنين فى سجين وفى كل هذا تروى أخبار وآثار تطالع فى محلها من كتب الحديث.
وإذا كان هذا المعنى، هو المردد فى المنقول، والثواب والعقاب أمر غيبى مفوض إلى الله سبحانه.
وإذا كانت الروح بعد افتراقها عن الجسد هى التى تذهب إلى الجنة أو إلى سجين، كما جاءت الاخبار، كان العذاب للروح، حتى يبعث الناس يوم القيامة، فيكون الثواب والعقاب للنفس التى هى الانسان - أى الجسد والروح معا.
اقرأ إن شئت قول الله تعالى {ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} آل عمران ٢٥،.
وقوله تعالى {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} آل عمران ٣٠، وقوله تعالى {يوم يأتى لا تكلم نفس إلا بإذنه} هود ١٠٥، وقوله تعالى {وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون} النحل ١١١، وقوله تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر ٣٨، وقوله تعالى {يا أيتها النفس المطمئنة.
ارجعى إلى ربك راضية مرضية} الفجر ٢٧، ٢٨، فهذه الآيات وأمثالها مما جاء فى القرآن الكريم وما جاء فى السنة على هذا النسق كل أولئك يدل على أن العذاب للنفس إنما يكون بعد البعث من القبور والنشور يوم القيامة.
أما عذاب الروح وحدها فبعد مفارتقها للجسد بالموت، وبعد السؤال فى القبر تكون فى عليين أو فى سجين، وهذا لا ينافى عذاب القبر للروح والجسد لمن استحقه كما جاء ذكره فى الأحاديث الشريفة ومنها ما رواه ابن عباس رضى الله عنه (البخارى ج - ١ ص ٢٢٤) (مر النبى صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير ثم قال بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة خلافا لابن حزم، وابن هبيرة.
هذا وما استأثر الله بعلمه لا ينبغى الاشتغال به، فلا تذهبن إلى ما نقل عن الفلاسفة قديما وحديثا، فإنهم انطلقوا إلى ما لا يعرفون، فتاهوا ولا يزالون.
واقرأ دائما قول الله سبحانه {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء ٨٥، وابتعد فى عظاتك للناس عن المتشابهات حتى لا تزيغ عن الجادة وتنحاو عن الطريق المستقيم.
واقرأ قول الله سبحانه وتوجيهه {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} الإسراء ٣٦، فقد قال القاضى ابن العربى قول الناس هل الحوض قبل الميزان والصراط أو الميزان قبلهما أم الحوض، فهذا هو ما لا سبيل إلى علمه، لأن هذا أمر لا يدرك ينظر العقل ولا ينظر السمع وليس فيه خبر صحيح.
(أحكام القرآن لابن العربى ص ١٢١٢ القسم الثالث طبع دار المعارف بيروت) ولا ريب أن حقيقة الروح والنفس ومن يعذب ومن يثاب كل أولئك من هذا القبيل.
(يراجع فى السؤالين الأول والثانى تفسير الفخر الرازى ج - ٥ ص ٤٣٤ وما بعدها الطبعة الثانية سنة ١٣٢٤ هجرية وتفسير ابى السعود ج - ٦ ص ٤٥٨ على هامش الفخر الرازى طبعة ثانية سنة ١٣٢٤ هجرية، وتفسير الألوسى ج - ١٥ ص ١٥٥ - ١٦٤ طبع ادراة الطباعة المنيرية، وتفسير ابن كثير ص ٦٠ و ٦١ ج - ٣ طبعة ١٣٦٧ هجرية - ١٩٤٨ م ولسان العرب لابن منظور فى مادتى روح ونفس ومعجم ألفاظ القرآن من عمل مجمع اللغة العربية الطبعة الثانية مادة روح بالمجلد الأول ص ٥٢١ - ٥٢٣ ومادة نفس المجلد الثانى ص ٧٤١ - ٧٤٧) عن السؤال الثالث لا بأس أن يعطى السائل فى المسجد شيئا لحديث عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا.
فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبر فى يد عبد الرحمن فأخذتها فدفتعها إليه - وفى كتاب الكسب لمحمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة قال أبو مطيق البلخى لا يحل للرجل أن يعطى سؤال المسجد لما روى فى الآثار.
ينادى يوم القيامة مناد ليقم بغيض الله فيقوم سؤال المسجد.
قال والمختار أنه إن كان السائل لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين يدى المصلى، ولا يسأل الناس إلحافا فلا بأس بالسؤال والإعطاء، لأن السؤال كانوا يسألون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد حتى يورى أن عليا تصدق بخاتمه وهو فى الركوع، فمدحه الله بقوله {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} المائدة ٥٥، أما إذا كان السائل يتخطى رقاب الناس، ويمر بين يدى المصرى فيكره إعطاؤه لأنه إعانة له على أذى الناس.
(كتاب اعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشى ص ٢٥٣ المسألة ٥١ طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سنة ١٣٨٥ هجرية) لما كان ذلك جاز جمع النقود فى الجوامع متى دعت حاجة إلى ذلك بمراعاة تلك الشروط التى أوضحها الفقهاء أخذا من الآثار والأخبار الواردة فى كتب السنة عن إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك، دون تشويش أو تخط أو مرور بين أيدى المصلين.
عن السؤال الرابع ليس من السهل تفصيل حقوق كل من الزوجين قبل الآخر، أو تفصيل حق واحد منهما لكثرة تنوع تلك الحقوق وتجددها، لأنها تشمل كل ملابسات الحياة فى جميع حقائقها ومظاهرها، ولقد فصل القرآن الكريم بعض الحقوق التى لكل منهما على الآخر، وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة بذكر شىء منها زائدا على ما ورد فى القرآن.
وجماع هذه الحقوق قول الله سبحانه وتعالى {ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} البقرة ٢٢٨، وجاء ذلك فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع (إن لكم من نسائكم حقا وإن لنسائكم عليكم حقا) (نيل الأوطار ج - ٥ ص ٣٦٤) ومع ذلك فقد قرر الله للرجال على النساء درجة، أى منزلة أكدتها الآية {الرجال قوامون على النساء} النساء ٣٤، وهذه القوامة أو تلك الدرجة، لا تخل بالمساواة بين الرجل والمرأة، إذ الدرجة التى هى قيام الرجل على المرأة يقتضيها النظام فى كل عمل مشترك، وإلا صار الأمر فوضى، ومراعاة النساء لهذه الدرجة، يجعل ما لهن من شئون الزوجية قبل أزواجهن مثل ما عليهن لهم تماما وقد جاء هذا القول فيما رواه الطبرى فى تأويل قوله تعالى {وللرجال عليهن درجة} لا أعلم إلا أن لهن مثل الذى عليهن إذا عرفن تلك الدرجة.
(تفسير الطبرى ج - ٢ ص ٢٥٧) والقاعة العامة التى تسود كل حقوق الزوجية وتقيدها هى الإحسان فى المعاملة وتجنب المضارة (الأم للامام الشافعى ج - ٥ ص ٩٥ والبدائع للكاسانى الحنفى ج - ٢ ص ٣٣٤) وإذا كان بيان حقوق الزوج على وجه الحصر متعذرا، فإنه يكفى أن نشير فيما يلى إلى أبرزها: أولا - حق تدبير المعيشة وإدارة حياتهما من حيث الاسكان والاستقرار فى بيت الزوجية ومراقبة سلوكها داخل المسكن وخارجه، واتصالها بالغير والنظر فيما يجوز لها أن تزاوله من عمل داخل المنزل وخارجه، والانتقال بها إلى حيث يشاء ويرتزق ما دام مأمونا عليها.
وإعطاء الزوج هذا الحق أو تلك السلطة يقصد به المحافظة على ما منحته الشريعة للزوج من حقوق قبل زوجته بمقتضى عقد الزواج، ودفع الضرر عن نفسه وعنها وحماية حياتهما الزوجية مما قد يضر بها.
وقد تحدث الفقهاء فى تلك الحقوق المفوضة للزوج وقالوا إنها مقيدة بما تتقيد به سائر الحقوق فى شريعة الإسلام وهو ألا يترتب عليها ضرر بالزوجة.
كما تحدثوا فى حقه فى منعها من الاتصال بمحارمها وقالوا إنه ليس له منعها إلا إذا كانوا مفسدين أو يفسدونها عليه.
ثانيا - حق التأديب وأساس هذا الحق التشريعى قول الله سبحانه {واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} النساء ٣٤، وهذا الحق فرغ عن كون الرجال قوامين على النساء، وقد قال الفقهاء فى حدود هذا الحق بأن الرجل حق تعزير زوجته، كما للقاضى حق تعزير الناس كافة، لكنهم قيدوا هذا الحق بقيود، يعتبر بخروجه عنه متعديا لأن شرعية هذا الحق مقصود به إصلاح حال الزوجة، إذا ما بان لزوجها أنها قد تنكبت السبيل المستقيم، فلا حق له فى تعزيرها لمجرد الانتقام والإيذاء ولا فى الخروج عن تلك الوسائل التى قررتها تلك الآية الكريمة.
ثالثا - حق المباشرة الجنسية على خلاف بين الفقهاء فيما إذا كان هذا حقه الخالص أو أن الاستمتاع حق مشترك بينهما، لأنه لا يمكن لأحدهما الانفراد به، بل لابد من المشاركة التى تدعو إليها طبيعة الفعل، وأيا ما كان فان حق الزوج أن تستجيب له زوجته متى بدت رغبته، ولم يكن بها مانع شرعى وفقا لأحكام الله تعالى {فأتوهن من حيث أمركم الله} البقرة ٢٢٢، وقوله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} البقرة ٢٢٣، ويتقيد هذا الحق بألا يحدث منه ضرر للزوجة، والأحاديث الشريفة فى هذا الباب كثيرة.
ولعله من المرجحات للقول بأن العمل الجنسى بين الزوجين حقهما معا ولكل منهما الاستجابة الآخر أنه قد أجيز للزوجة طلب الطلاق للهجر فى الفراش وترك المضاجعة، وأن الإيلاء من الزوجة والإصرار عليه سبب للطلاق فى قول الأئمة الفقهاء من غير مذهب أبى حنيفة الذى مذهبه أنه بمجرد مضى مدة الإيلاء المقررة فى القرآن دون أن يفىء إليها تطلق منه طلقة بائنة.
رابعا حفظ مال الزوج وكتم أسراره، وألا تدخل بيته أحدا دون إذنه (فى بيان حقوق كل من الزوجين من غير حصر كتب فقه المذاهب فى باب النفقة وحديث كلكم راع) وفى بيان هذه الحقوق أحاديث كثيرة منها ما جاء فى خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع.
استوصوا (رواه ابن ماجة والترمذى منتقى الأخيار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - ٦ ص ١٢٠ وما بعدها ففيه بيان حقوق أخرى للزوج) بالنساء خيرا، فإنما هن عندكم عوان، ليس تملكون منهم شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فان فعلن فاهجروهن فى المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فان أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن لكم من نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن فى بيوتكم لمن تكرهون وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن فى كسوتهن وطعامهن.
ومنها الحديث الذى رواه البخارى ومسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
(زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم برقم ٥٥٩ ج - ١ ص ٣٠٢ و ٣٠٣) وفيه والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها.
عن السؤال الخامس اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن المرأة الحامل إذا مات فى الولادة تغسل ويصلى عليها، ولها حكم الشهداء فى الآخرة وثوابهم فضلا من الله ورحمة.
قال ابن قدامة فى المغنى (فأما الشهيد بغير قتل كالمبطون والغريق وصاحب الهدم والنفساء، فإنهم يغسلون ويصلى عليهم، لا نعلم فيه خلافا إلا ما يحكى عن الحسن لا يصلى على النفساء لأنها شهيدة ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت فى نفاسها فقام فى وسطها.
متفق عليه (ج - ٢ ص ٤٠٥ مع الشرح الكبير مطبعة المنار سنة ١٣٤٥ هجرية) والله سبحانه وتعالى أعلم