للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأضحية]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما هو الأصل في مشروعية الأضحية، وهل هى واجبة أو سنة، وما هى مواصفات ما يضحى به، وهل صحيح أنه يمكن أن يضحي بديك؟

الجواب

كلمة الأضحية فيها أربع لغات:

١ -أُضحية، بضم الهمزة مع تخفيف الياء وتشديدها.

ب -إِضحية، بكسر الهمزة، مع تخفيف الياء وتشديدها، وجمعها أضاحي بتخفيف الياء وتشديدها.

ب -ضحية، على وزن فعيلة، وجمعها ضحايا.

د - أضحاة، وجمعها أضحَى، مثل: أرْطاة وأرْطى. وبها سُمَي يوم الأضحى. وسميت الذبيحة بذلك لأنها تذبح وقت الضحى وهو ارتفاع النهار قال النووي: في الأضحى لغتان، التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم.

٢ - والأضحية في الشرع اسم لما يذبح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق تقربًا إلى اللَّه تعالى، فما يذبح من غير هذه الأنواع لا يسمى أضحية، وما يذبح منها في غير هذه الأيام لا يسمى أيضًا أضحية، وما يذبح في هذه الأيام لغير التقرب إلى اللَّه لا يسمى أيضًا أضحية.

٣ -تقديم القرابين إلى الآلهة قديم، واللَّه سبحانه يقول في هابيل وقابيل، ولدي آدم {واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر} المائدة: ٢٧، ويقول عن اليهود {الذين قالوا إن اللَّه عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى بأتينا بقربان تأكله النار} آل عمران:

١٨٣.

يقول المفسرون: إن توأمة قابيل التي ولدت معه في بطن واحد واسمها إقليمياء كانت جميلة، أما توأمة هابيل واسمها ليوذا فكانت غير جميلة، وكان من شريعة آدم تزويج الأخت من بطن إلى الأخ من بطن آخر فحسد قابيل أخاه هابيل وأراد أن يستأثر بتوأمته الجميلة، وأمره أبوه فلم يأتمر، فاتفقوا على تقريب القربان، وكان قربان قابيل حزمة من سنبل، وقربان هابيل كبشا، فتتبل الله قربان هابيل، وقالوا: إن الكبش رفع إلى الجنة حتى فدى الله به الذبيح إسماعيل عليه السلام قاله سعيد بن جبير وغيره والله أعلم بصحة ذلك "تفسر القرطبي ج ٦ ص ١٣٣، ١٣٤".

وظل تقديم القربان معروفًا عند اليهود لتصديق أي نبي يرسل إليهم، حتى نسخ على لسان عيسى بن مريم، كما ذكره القرطبي "ج ٤ ص ٢٩٦".

يقول المؤرخون: كانت القرابين بالحيوانات ثم تعدى ذلك إلى تقديم الإنسان قربانًا ولعل رؤيا إبراهيم أن يذبح ولده إسماعيل صورة من ذلك. قال تعالى {فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} إلى أن قال {وفديناه بذبح عظيم} الصافات: ١٠٢ -١٠٧، كما عرف التقرب بذبح الإنسان عند العرب قبل الإسلام، وفي التاريخ أن عبد المطلب نذر إن رزقه الله بعشرة من الأولاد ليذبحن ولدًا منهم، فوقعت القرعة على ولده عبد اللَّه والد النبي صلى الله عليه وسلم فمنعته قريش من ذبحه حتى لا يكون ذلك سنة متبعة، وانتهى الأمر بفدائه بمائة من الإبل، وروى الحاكم عن معاوية أن أعرابيًا قال للرسول صلى الله عليه وسلم "يا ابن الذبيحين " فتبسم ولم ينكر عليه، والذبيحان هما إسماعيل بن إبراهيم وعبد الله بن عبد المطلب.

وفي مصر القديمة كان بعض الرؤساء يضحى بزوجاته أو عبيده، وتكسر الحراب والسهام عند قبره، حتى يذهب إلى الآخرة طاهرًا بغير سلاح ولا أتباع. وتدفن معه نماذج من البيت والدكان والخدم والماشية، ثم اختفت القرابين البشرية لتحل محلها القرابين الحيوانية أو الدمى المصنوعة من الخنزير وأسطورة تقديم عروس النيل قربانًا عند فيضانه صورة من صور التقدم للآلهة بالإنسان. ومثل مصر في ذلك مناطق الأنهار في سومر والعراق والصين والهند وفي القرن السادس قبل الميلاد ظهر بوذا في الهند وكونفوشيوس في الصين فاقتصرت القرابين على الحيوانات، ولم تختف القرابين البشرية تماما، فكان في روما موكب بشرى دام قدمت فيه روما فريقا من أطهر شبابها فداء للآلهة عندما اجتاح " الغال " جنوبي إيطاليا، وذلك قبل ميلاد المسيح بقرنين ونصف القرن.

وقدم اليهود القرابين لله شكرًا واستغفار في احتفال مهيب بالمعبد بإشراف الكهان للأله "يهوه " وكان يوم السبت - الإجازة - يشهد احتفالاً عظيمًا لذلك، وكانت اليهودية حتى عهد الانقسام دين خوف ورعب، فقدمت الأضاحي من البشر، حيث قدم الملك " آخاذ" ابنه قربانًا لله، ثم غير الكهنة القرابين بتضحية الإنسان بجزء منه، وذلك بعملية "الختان " فذلك كاف لإرضاء الإله، ثم تطور القربان إلى الحيوان والنبات ببركة الكهان، والأناجيل مملوءة بأخبار التضحية، كهابيل وقابيل، وكذلك تقديم "يفتاح " ابنته محرقة قربانا ""سفر القضاة: ٢٠ - ٤٠ " وصلب المسيح عندهم أعظم تضيحة، ويرمز لها الآن بالحمل المقدم لذلك، والقربان المقدس عند الكاثوليك والأرثوذكس قرص من الدقيق الصافي، كما توجد قرابين مثل الشموع والتماثيل.

وفي الجاهلية العربية كانت الأنعام تهدى إلى الكعبة وتذبح باسم الآلهة، وقد يلطخون أحجارها بدمائها، -وتعلق قلائد في رقاب الهدى تمييزا لها قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر اللَّه ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد} المائدة: ٢، والشعائر- على قول - جمع شعيرة، وهي البدنة التى تهدى إلى الكعبة وإشعارها أن يُجَزَّ سنامها حتى يسيل منه الدم فيعلم أنه هدى. وكان المشركون يحجون ويعتمرون ويهدون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فانزل اللَّه {لا تحلوا شعائر الله} والقلائد هي كل ما يعلق على أسنمة الهدايا وأعناقها علامة على أنه لله سبحانه وتعالى، وهي سنة إبراهيمية بقيت في الجاهلية وأقرها الإسلام "القرطبي ج ٦ ص ٤٠ ".

٤ - بعد هذه المقدمة التاريخية نقول: إن الإسلام أقر مبدأ التقرب إلى اللَّه بذبح الأنعام ونظمه تنظيمًا دقيقًا، وحكمة مشروعيتها تتلخص في ناحيتين،ناحية تاريخية وهي تخليد ذكرى فداء إبراهيم لابنه إسماعيل عليهما السلام،. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث رواه أحمد وابن ماجه والترمذى عن زيد بن أرقم أنه قيل يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال "سنة أبيكم إبراهيم " قيل: ما لنا منها؟ قال "بكل شعرة حسنة" قال:

فالصوف؟ قال: "بكل شعرة من الصوف حسنة".

والناحية الثانية اجتماعية، وهي إطعام الطعام والتوسعة على الفقراء بمناسبة العيد، والأصل فيه نفع أهل مكة والوافدين لأداء المناسك، قال تعالى {ولكل أمة جعلنا منسكا} - مكانا للعيادة الجماعية - {ليذكروا اسم اللَّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} الحج: ٣٤، وقال {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} الحج: ٢٧، ٢٨.

أما الذين لا يشهدون موسم الحج فالأضاحي بالنسبة إليهم مع سنة إبراهيم توسعة على الفقراء وإشاعة للفرح والسرور، إلى جانب ما يرجى من الثواب على ذلك.

٥ - الدليل على مشروعيتها في الإسلام: القرآن والسنة والإجماع، فمن القرآن قوله تعالى {إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر} وهذا على رأى من يقول: إن السورة مدنية، حيث إن صلاتى العيدين شرعتا بعد الهجرة، وهو رأى الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة. فأمر الله رسوله أن يجعل النحر بعد الصلاة، حيث كان ينحر أولا ثم يصلي كما قال أنس - القرطبي ج ٢٠ ص ٢١٨ -وقيل: نزلت السورة بالحديبية، حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول مكة، فأمره اللَّه أن يصلي وينحر البدن ثم ينصرف وذلك قول سعيد بن جبير.

أما من يقول: إن السورة مكية فلا تدل على مشروعية الأضحية، حيث لم يفرض الحج ولم تشرع الأضحية إلا بعد الهجرة من مكة، وما هو الارتباط بين إعطاء الله لرسوله الكوثر وهو النبوة أو النهر العظيم في الجنة أو الخير الكثير- وبين صلاة وذبح بعدها؟ لقد قيل: إنها نزلت لما عير مشركو مكة رسول الله بوفاة ابنه وسمو "الأبتر" أي المقطوع من الولد، عزاه اللَّه بأن أعطله خيرًا من الولد وهو الكوثر، فلا تتأثر بما يقولون وأجعل عبادتك لله وحده، وذبحك للأنعام والذبائح للَّه وحده، لا كما يفعل المشركون من عبادة غير اللَّه والذبح للآلهة والأصنام، والمعنى: دُمْ يا محمد على دعوتك وعلى طاعتك للَّه وحده، ومن يعيبك بالأبتر فهو الأبتر المقطوع عن رحمة اللَّه، وهذا الرأي عندي هو المقبول، وقد قال محمد بن كعب القرظي في تفسير السورة إن ناسًا يصلون لغير اللَّه وينحرون لغير الله؟ وقد أعطيناك الكوثر فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله، قال ابن العربي: والذي عندي أنه أراد: اعبد ربك وانحر له، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر، وبالحرى - أي الأحرى والأجدر-أن يكون جميع العمل يوازى هذه الخصوصية من الكوثر، وهو الخير الكثير الذي أعطاكه اللَّه، أو النهر الذي طينه مسك وعدد آنيته نجوم السماء. أما أن يوازي هذا صلاة يوم النحر وذبح كبش أو بقرة أو بدنة فذلك يبعد في التقدير والتدبير وموازنة الثواب للعبادة "تفسير القرطبي " ومن هنا فالاستدلال بهذه السورة على مشروعية الأضحية. ليس قويًّا.

من أدلة السنة على مشروعيتها: ما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال:

ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما والأملح الذي بياضه أكثر من سواده وقال: هو النقي البياض، والأقرن ماله قرنان، والصفاح جمع صفحة، وصفحة كل شيء وجهه وناحيته. وكذلك من الأدلة ما جاء في بيان فضلها وتحديد وقتها وقد انعقد الإجماع على مشروعيتها.

٦ -حكمها، بعد بيان أن الأضحية مشروعة وليست منوعة: فما هي درجة هذه المشروعية؟ هل هي الوجوب أو الندب؟ ومعلوم أن الوجوب يترتب عليه ثواب على الفعل وعقاب على الترك، وأن الندب يترتب عليه ثواب على الفعل وعدم عقاب على الترك.

قال جمهور الفقهاء: إنها سنة غير واجبة، قال النووي "شرح صحيح مسلم ج ١٣ ص ١١٠"واختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر، فقال جمهورهم: هي سنة في حقه، إن تركها بلا عذر لم يأثم، ولم يلزمه القضاء، وممن قال بهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدرى وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم. وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث:

هي واجبة على الموسر، وبه قال بعض المالكية. وقال النخعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى، وقال محمد بن الحسن: واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصابا واللَّه أعلم.

والقائلون بالوجوب استدلوا باية، {فصل لربك وانحر} حيث قالوا: إن الأمر للوجوب، وأجيب عنه بأن الآية ليست نصا في الأضحية كما تقدم ذكره، فهى عامة لكل عبادة يجب أن تكون لله وحده، ومن أدلة القائلين بأنها سنة: ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر قال: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه، فقال "بسم الله واللَّه أكبر، اللهم هذا عنى وعمن لم يضح من أمتى " وما رواه أحمد والبزار بإسناد حسن عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول: اللهم هذا عن أمتى جميعًا، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعًا المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحى، قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم.

ومن الأدلة أيضًا على أنها سنة وليست واجبة ما أخرجه أحمد عن ابن عباس مرفوعًا "أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها، وأمرت بالأضحى ولم تكتب عليكم " وأخرجه أيضًا البزار وابن عدى والحاكم عنه بلفظ "ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى" وهو ضعيف.

وأجاب الجمهور: على الحديث الذي احتج به القائلون بوجوب الأضحية، وهو ما رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" بأن هذا الحديث -كما قال في الفتح - ليس صريحًا في الإيجاب، مثله في ذلك مثل أحاديث ستأتي في بيان وقت الذبح وأن من ذبح قبل دخول الوقت أعاد الذبح مرة أخرى.

٧ - والأضحية سنة مؤكدة على الكفاية إذا تعدد أهل البيت، فإذا قام بها واحد منهم كفى عن الجميع، فإن لم يتعدد أهل البيت كانت سنة عين،ولابد أن تكون فاضلة عما يحتاجه في يومه وليلته وكسوة فصله -أي الشتاء والصيف -كما في صدقة التطوع وينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة فإنها وقتها، كما أن يوم العيد وليلة العيد وقت زكاة الفطر.

والتضحية أفضل من صدقة التطوع للاختلاف في وجوبها، وقال الشافعي:

لا أرخص في تركها لمن قدر عليها، فيكره للقادر تركها، وسيأتي مزيد توضيح للقدرة عليها.

والأضحية قد تكون واجبة بالنذر لحديث "من نذر أن يطيع الله فليطعه " رواه البخاري ومسلم ولقوله تعالى {وليوفوا نذورهم} الحج: ٢٩، وحتى لو مات الناذر فإنه تجوز النيابة فيما عينه بنذره قبل موته، وعند مالك إذا اشتراها ونيته الأضحية وجبت.

٨-ورد في فضلها أحاديث كثيرة، منها: ما رواه الترمذي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى اللَّه من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من اللَّه بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا" وما سبق ذكره من حديث زيد بن أرقم في حكمة الأضحية، وكذلك حديث أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة "من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" قال الحافظ في "بلوغ المرام " رجح الأئمة غيره وقفه، يعني ليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتح: رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب.

وحديث الدارقطني عن ابن عباس مرفوعًا "ما أُنفقت الورق - العملة الفضية- في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد " وأما حديث الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي اللَّه عنها: "قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة منها يغفر لك ما سلف من ذنوبك " فهو منكر، وكذلك حديث الطبراني "من ضحى طيبة بها نفسه محتسبا بأضحيته كانت له حجابا من النار" ففي سنده كذاب.

٩ -أما الوقت الشرعي لذبحها، فقد وردت فيه عدة نصوص، منها ما رواه البخاري ومسلم من حديث جندب قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم ذبح: فقال "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله " وما روياه أيضًا من حديث البراء بن عازب الذي ذبح خاله أبو بردة قبل الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم "من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين " وفي رواية لمسلم عن البراء بن عازب " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء ".

قال النووي: في شرح صحيح مسلم "ج ١٣ ص ١١٠ ": وأما وقت الأضحية فينبغي أن يذبحها بعد صلاته مع الإمام، وحينئذ تجزيه بالإجماع، قال ابن المنذر: وأجمعوا أنها لا تجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر، واختلفوا فيما بعد ذلك، فقال الشافعي وداود وابن المنذر وآخرون: يدخل وقتها إذا طلعت الشمس ومضى قدر صلاة العيد وخطبتين فإن ذبح بعد هذا الوقت أجزأه سواء صلى الإمام أم لا، وسواء صلى الضحى أو لا، وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادى والمسافرين، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا، وقال عطاء وأبو حنيفة: يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر الثاني - الصادق - ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلى الإمام ويخطب، فإن ذبح قبل ذلك لم يجزه، وقال مالك: لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه، وقال أحمد: لا يجوز قبل صلاة الإمام، ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام وسواء عنده أهل الأمصار والقرى، وجاء نحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق بن راهوية، وقال الثوري: لا يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفى أثنائها وقال ربيعة فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشمس لا يجزيه، وبعد طلوعها يجزيه ١٠ هـ.

ومن هذا يعلم أن الذين يذبحون يوم عرفة أو ليلة العيد قبل الفجر لا يقع ذبحهم عن الأضحية المشروعة، أما آخر وقت الأضحية فهو متسع، قال الشافعي: تجوز التضحية في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده، وممن قال بهذا على بن أبي طالب وجبير بن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصرى وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدى فقيه أهل الشام، ومكحول وداود الطاهرى وغيرهم.

وقال أبو حنيفة وأحمد: تختص بيوم النحر ويومين بعده، وروى هذا عن عمر بن الخطاب وعلى وابن عمر وأنس رضى الله عنهم، وقال سعيد بن جبير: تجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصة، ولأهل القرى يوم النحر وأيام التشريق. وقال محمد بن سيرين: لا تجوز لأحد إلا فى يوم النحر خاصة، وحكى القاضى عن بعض العلماء أنها تجوز فى جميع ذى الحجة واختلفوا فى جواز الذبح فى هذه المواقيت، فقال الشافعى: تجوز ليلا مع الكراهة، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور والجمهور، وقال مالك فى المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد: لا تجزيه فى الليل بل تكون شاة لحم.

من هذا نرى أن تحديد مبدأ الوقت لجواز الأضحية مستند إلى أحاديث ثابتة، مع الاختلاف فى فهم بعضها، أما تحديد نهاية الوقت فهو مبنى على الاجتهاد المحض، وإن كان المعقول أنه يستمر يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة، لأنها أيام الأكل والشرب والفرح بالعيد كالذين يبيتون فى منى وينحرون الهدى.

وأما ما ورد عن جبير بن مطعم مرفوعا " كل أيام التشريق ذبح " ورواه أحمد والدارقطنى فهو ضعيف وقيل موضوع، وكذلك اختلافهم فى الذبح نهارا أو ليلا لا دليل يعتمد عليه، وما أخرجه الطبرانى من النهى عن الذبح ليلا فى إسناده متروك أو هو مرسل.

هذا، وقد سبق فى البند السابع أن الخلاف فى وجوبها أو ندبها إنما هو بالنسبة للقادر عليها، وجاء فى فقه المذاهب الأربعة:

أن الحنفية قالوا: القادر عليها هو الذي يملك مائتي درهم، أو يملك عرضا يساوى مائتي درهم يزيد عن مسكنه، وثياب اللبس والمتاع الذي يحتاجه.

وإن كان له عقار يستغله تلزمه الأضحية إذا دخل له منه قوت عامه، وزاد معه النصاب المذكور وقيل: تلزمه إذا دخل منه قوت شهر وإن كان العقار وقفا تلزمه الأضحية إن دخل له منه قيمة النصاب وقتها.

والحنابلة قالوا: القادر عليها هو الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدين إذا كان يقدر على وفائه.

والمالكية قالوا: القادر عليها هو الذي لا يحتاج إلى ثمنها لأمر ضروري في عامه، فإذا احتاج إلى ثمنها في عامه فلا تسن، وإذا استطاع أن يستدين استدان، وقيل: لا يستدين.

والشافعية قالوا: القادر عليها هو الذي يملك ثمنها زائدًا عن حاجته وحاجة من يعول يوم العيد وأيام التشريق، ومن الحاجة ما جرت به العادة من كعك وسمك وفطير ونقل ونحو ذلك. "ص ٢٠٨ ".

١٠ -ما يضحى به: الذي يضحي به هو الإبل والبقر والغم، قال النووي "شرح صحيح مسلم ج ١٣ ص ١١٧" وأجمع العلماء على أنه لا تجزى الضحية بغير الإبل والبقر والغنم، إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة وبالظبي عن واحد وبه قال داود في بقرة الوحش فلا يجزئ غير ذلك من أي حيوان، كما لا يجزى شراء لحم والتصدق به على أنه ضحية، ومثله الحيوانات المجمدة واللحوم المعلبة، لأنها ذبحت قبل موعد ذبحها، وكانت في غير ملك من يشتريها ليضحى بها، وما ورد عن بلال أنه قال: ما أبالي ألا أضحى إلا بديك، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فيه أحب إلى من أن أضحى به. فذلك محمول على أن البعض كان يرى أن التصدق بثمن الأضحية أفضل من ذبحها وبذلك قال الشعبي وهو قول لمالك وأبي ثور "القرطبي ج ١٥ ص ١٠٧ " فالقول لراجح أن الأضحية أفصل من التصدق بثمنها، لأنها سنة مؤكدة وردت النصوص بفضلها.

وكذلك ما ورد من أن البعض من الصحابة أو السلف كان يشتري لحمًا ويضحى به لا يعني أن اللحم يغنى في الآخر والثواب عن الأضحية، أو يسد مسدها في أنها واجبة. وأنما ذلك كان بقصد تعريف الناس أن الأضحية ليست بواجبة محتمة، بل هي سنة اختيارية، قال عكرمة: كان ابن عباس يبعثنى يوم الأضحى بدرهمين، أشترى له لحمًا، ويقول من لقيت فقل: هذه أضحية ابن عباس جاء في تفسير القرطبي "ج ١٥ ص ١٠٨ " أن ما روى عن ابن عباس وعن أبي بكر وعمر من ذلك يقصد به عدم المواظبة على الأضحية حتى لا يعتقد العامة أنها واجبة مفروضة، وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم، لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم.

لكن أي سن وأى شكل تكون عليه الضحية من الإبل والبقر والغنم، وما القدر الكافى منها؟ وردت عدة أحاديث تحدد السن والأوصاف التي تمنع من قبول الأضحية، منها حديث مسلم وغيره "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعه من الضأن " وحديث مسلم أن جذعه المعز لا تجزىء، وحديث أحمد وأصحاب السنن في النهى عن التضحية بأعضب القرن والأذن، وفي عدم التضحية بالعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضَلَعُها، والكسير التي لا تنقى، والمقابلة والمدابرة والشرقاء والحرقاء، وحديث أحمد وأبى داود في النهى عن المصْفرة، والمستأصلة والبخقاء والمشيَّعة.

وقالوا في تفسير ذلك: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم لها سنتان فأكثر والجذع من الضأن ما له سنة تامة، وهو الأشهر عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم من غيرهم، وقيل: ما به ستة أشهر، وقيل سبعة، وقيل: ثمانية، وقيل عشرة وجذعه المعز لا تجزىء عند الجمهور، وتجوز عند عطاء والأوزاعي، وهو وجه لبعض الشافعية كما حكاه الرافعى.

وقال النووي: هو شاذ أو غلط.

وأعضب القرن والأذن، ما ذهب نصف قرنه أو أذنه، وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أن الأضحية تجوز بمكسور القرن مطلقًا، وكرهه مالك إذا كان يدمى وجعله عيبا. فإذا استؤصل القرن كانت البهيمة مستأصلة، وإذا استؤصلت الأذن كانت مصفرة وقيل هي الهزيلة، والكسير أو الكسراء التي لا مخ لها، والبخقاء هى ذاهبة البصر أو القبيحة العور، والمشيعة هي الضعيفة التي تحتاج إلى من يشيعها، والمقابلة هى الشاة التي قطعت أذنها من قدام وتركت معلقة، والمدابرة هي التي قطعت أذنها من جانب، والشرقاء مشقوقة الأذن طولا، والحرقاء هى التي في أذنها خرق مستدير.

كما جاء حديث أحمد بجواز التضحية بالخصى. ويبدو لى من كلام الفقهاء أن هذه العيوب تؤثر على اللحم إذا عينت الأضحية المعيبة قبل وقت ذبحها بزمن طويل، فعيوبها تمنعها من الرعى أو تناول الطعام أو النمو كما تنمو الحيوانات السليمة من هذه العيوب، وعدم قبولها بسبب هذه العيوب يظهر في المنذورة التى ينبغي أن تكون جيدة اللحم، لكن لو طرأ عيب على شاة طيبة اللحم والشكل ثم ذبحت في ميعاد الأضحية فلماذا لا تقبل؟ ولذلك أرى تناقضات غريبة في كلام الفقهاء بسبب هذه العيوب فأى ضرر في قبول مقطوعة الأذن أو مشقوقتها مع أن ذلك لا يؤثر على اللحم مطلقًا حتى لو نذرت واستمرت زمنا طويلا قبلأن تذبح، وما معنى أن يرفض المالكية التضحية بالبكماء وهى فاقدة الصوت، وما دخل صوتها في لحمها، وما معنى أن يرفض الشافعية التضحية بما حصل لها عرج وقت ذبحها في حال قطع الحلقوم والمرىء، هذا وتصح الشاة من الضأن أو المعز عن شخص واحد، أو عن أسرة يعولها، وتكفى البقرة أو الناقة عن سبعة، وشرط الأحناف بلوغ الضأن سنة أو ستة أشهر مع وفرة اللحم، وفي المعز لابد من بلوغ سنة والدخول في الثانية، وفي البقر والجاموس اشترطوا بلوغ سنتين والدخول فى الثالثة، وفى الإبل بلوغ خمس سنين والدخول فى السادسة اشترط الشافعية في المعز بلوغ سنتين كاملتين.

١١ -والأضحية إذا كانت منذورة لا يحل أكل شيء منها مطلقا، بل يتصدق بها جميعها، كما قال الأحناف والشافعية، ويجوز بل يسن الأكل منها عند الحنابلة، يؤكل الثلث ويهدى الثلث ويتصدق بالثلث، أما غير المنذورة فلا يجب الصدق بشيء منها بل يسن فقط.

عن أبي سعيد أن قتادة بن النعمان أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فقال "إني كنت أمرتكم ألا تأكلوا لحوم الأضاحى فوق ثلاثة أيام ليسعكم، وإني أحله لكم فكلوا ما شئتم، ولا تبيعوا لحوم الهدى والأضاحى، وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها، وإن أطعمتم من لحومها شيئا فكلوا أني شئتم " رواه أحمد.

كان الرسول قد منعهم من ادخار لحوم الأضاحى، وألزمهم التصدق بها على المحتاجين الذين يفدون المدينة أيام العيد من أجل ذلك، ثم أجاز لهم أن يأكلوا ويدخروا لأولادهم منها. وجاءت في ذلك عدة أحاديث متفق على صحتها " نيل الأوطار ج ٥ ص ١٣٤ " ولا يجوز بيع شيء من الأضحية حتى الجلد.

وهناك إرشادات عند ذبح الأضحية قال النووى فيها " شرح صحيح مسلم ج ١٣ ص ١٢٠ " يستحب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بنفسه، ولا يوكل في ذبحها إلا لعذر وحينئذ يستحب أن يشهد ذبحها، وإن استناب فيها مسلما جاز بلا خلاف وإن استناب كتابيا كره كراهة تنزيه وأجزأه ووقعت الضحية عن الموكل، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكا في إحدى الروايتين عنه فإنه لم يجوزها، ويجوز أن يستنيب صبيا أو امرأة حائضا.

ولكن يكره توكيل الصبى، وفى كراهة توكيل الحائض وجهان قال أصحابنا: الحائض أولى بالاستنابة من الصبى، والصبى أولى من الكتابى قال أصحابنا:

والأفضل لمن وكل أن يوكل مسلما فقيها بباب الذبائح والضحايا، لأنه أعرف بشروطها وسننها انتهى.

١٢- من الطرائف الأدبية عن خروف العيد، ما قاله محمد بن نصر الله الدمشقي الأنصاري:

أتاني خروف ما شككت بأنه * حليف هوى قد شفه الهجر والعذل إذا قام في شمس الظهيرة خلته * خيالا ترى من ظلمة ماله ظل فناشدته: ما يشتهي؟ قال: حلبة * وقاسمته: ما شاقه؟ قال لي: الأكل فأحضرتها خضراء مجاجة الثرى * مسلمة ما مس أوراقها الفتل فظل يراعيها بعين ضعيفة * وينشدها والدمع في العين منهل أتت وحياض الموت بيني وبينها * وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل ناشدته = طلبت منه أن يفصح لى عما يشتهيه، قاسمته = أقسمت عليه أن يبوح لى بما يشتاق إليه. الفتل = الذبول.

ومن مداعبات الشاعر الراحل الشيخ محمد الأسمر في خروف العيد:

إن كان ذو القرنين عندك حاضرا * فابعث به لنرى ضياء جبينه ولكى يجاوب أو يمأمئ مثله * في بيت جارى مأمآت قرينه وليطمئن الدائنون ويعلموا * أنى امرؤ يقضى جميع ديونه ونرده لك بعد ذلك سالما * بدمقس فروته وعاج قرونه وأنا الأمين عليه وهو بمنزلى * من كل جزار ومن سكينه ١٣ -هناك كلمات تتردد في هذا الموضوع ينبغي التنبة للفرق بينها، وهي:

١ - الهدى ما يتقرب به إلى اللَّه في الحرم من الإبل والبقر والغنم، وهو يكون تارة واجبا إذا كان منذورا، أو جزاء على فوات واجب أو ارتكاب منهى عنه، كما قاله تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى} البقرة: ١٩٦، وتارة يكون مندوبا إذا كان تطوعا وليس جزاء على شيء.

٢ - الفدية ما كانت في مقابل ارتكاب منهى عنه أو فوات واجب، وقد تكون ذبحا أو تصدقا أو صياما أو غير ذلك، قال تعالى {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة:

١٩٦، والمراد بالنسك الذبح وقال فيمن يشق عليهم الصيام {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} البقرة: ١٨٤.

٣-الأضحية ما تذبح تقربا إلى الله بمناسبة عيد الأضحى

<<  <  ج: ص:  >  >>