[الحلف بغير الله]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز الحلف بغير الله؟
الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال حين سمع عمر يحلف بأبيه " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " وروى أبو داود والترمذى وقال: حسن، قوله صلى الله عليه وسلم " من حلف بغير الله فقد كفر" وفى بعض الروايات " فقد أشرك " وفى بعضها " فقد كفر وأشرك ".
قال العلماء: إن الحلف الذى يجوز وتترتب عليه آثاره هو ما كان بالله أو بصفة من صفاته، أما الحلف بغير ذلك فهو غير ملزم ولا تترتب آثار على عدم البر به، ومع ذلك فهو ممنوع كما نص عليه الحديث، وجاء التغليظ بأنه خروج عن الإسلام عن طريق الكفر بالله وعدم الإيمان به، أو عن طريق الشرك، أى ضم غير الله إليه فى الألوهية وما يتبعها، ودرجة المنع من الحلف بغير الله مختلف فيها بين الحرمة والكراهة، يقول الشوكانى فى " نيل الأوطار ج ٨ ص ٢٣٦ ": للمالكية والحنابلة قولان -أى قول بالحرمة وقول بالكراهة التنزيهية - وجمهور الشافعية على أنه مكروه تنزيها، وجزم ابن حزم بالتحريم، وقال إمام الحرمين: المذهب القطع بالكراهة، وجزم غيره بالتفصيل: فإن اعتقد فى المحلوف به ما يعتقد فى الله تعالى كان بذلك الاعتقاد كافرا.
ويثار هنا سؤالان، الأول لماذا يحلف الله بالمخلوقات كالشمس والقمر والليل، والثانى كيف يحلف الرسول صلى الله عليه وسلم بغير الله وقد نهى عنه؟ .
أثار ذلك الحافظ ابن حجر فى فتح البارى " وخلاصة ما جاء فيه: أن لله أن يحلف بما شاء من خلقه لا يسأل عما يفعل " وذلك لتعظيم المحلوف به وهو سبحانه صاحب الأمر فى خلقه، وفيه لفت لأنظارنا أن نتدبر وجه العظمة فى هذا المحلوف به.
أما حلف الرسول بغير الله فقد جاء فى الصحيح أنه قال للأعرابى الذى أقسم ألا يزيد ولا ينقص عما تعلمه من الرسول من الواجبات (أفلح وأبيه إن صدق " وأجيب عنه بأجوبة:
أ-الطعن فى صحة هذه اللفظة-وأبيه -كما قال ابن عبد البر: إنها غير محفوظة، وزعم أن اصل الرواية " أفلح والله " فصحفها بعضهم.
ب - أن ذلك كان يقع من العرب ويجرى على ألسنتهم من دون قصد للقسم أى الحلف، والنهى أنتا ورد في حق من قصد حقيقة الحلف، قاله البيهقى، وقال النووى: إنه الجواب المرضى.
ج -أنه كان يقع فى كلامهم على وجهين للتعظيم وللتأكيد، والنهى إنما ورد عن الأول وهو التعظيم.
د-أن الحلف بغير الله كان جائزا، وما صدر من النبى كان على الجواز، ثم نسخ، قاله الماوردى، وقال السهيلى: أكثر الشراح عليه، قال المنذرى:
دعوى النسخ ضعيفة، لإمكان الجمع بين الأمرين المختلفين، ولعدم تحقق التاريخ حتى يعرف السابق من اللاحق.
هـ - أنه كان فى ذلك حذف، والتقدير " أفلح ورب أبيه " قاله البيهقى.
و أنه للتعجيب، وليس قسما، قاله السهيلى.
ز-أنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم، لكن يرد على هذا بأن الخصوصيات لا تثبت بالاحتمال، بل لا بد لها من دليل، فيبقى الأمر عاما للرسول وغيره.
ثم يقول الشوكانى: وأحاديث الباب تدل على أن الحلف بغير الله لا ينعقد- أى لا تترتب عليه آثاره - لأن النهى يدل على فساد المنهى عنه، وإليه ذهب الجمهور.
وقال بعض الحنابلة: إن الحلف بنبينا صلى الله عليه وسلم ينعقد وتجب الكفارة.
بعد هذا العرض نرجو ممن لم يطلعوا على ما قاله العلماء فى الحلف بغير الله ألا يسرعوا فى تجريم من حلف بالنبى أو بغير الله بوجه عام، فقد قال بعض الفقهاء بعدم الحرمة وبأنه مكروه كراهة تنزيه بمعنى عدم العقوبة فيه، وأخطر ما يكون التجريم هو الحكم بالكفر أو الشرك على من حلف بغير الله وهو لا يريد تعظيمه كتعظيم الله، فإن من كفر مسلما بدون وجه حق كان كافرا، والحديث معروف فى ذلك وهو " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " رواه البخارى ومسلم.
وفى رواية لأبى داود والنسائى والترمذى وصححه " ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله " والحاكم على الحالف بغير الله بالكفر لم يطلع على نيته، وقد أمر الله بالتبيُّن، وقال فى ذلك {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} النساء: ٩٤، وسبب نزولها معروف فى سرية كان قائدها أسامة بن زيد