جاء فى القرآن الكريم أن الله مسخ بعض اليهود قردة، فهل كانت القرود موجودة قبلهم، وهل بقى من نسلهم شىء الآن؟
الجواب
قال الله تعالى {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} البقرة:٦٥ تحذر الآية اليهود الموجودين حين نزل القرآن وكذلك من بعدهم أن يكفروا بالرسول صلى الله عليه وسلم محرفين الكلم عن مواضعه، حتى لا يعاقبهم الله كما عاقب اليهود الذين خالفوا أمره حين نهاهم عن الصيد فى يوم السبت فتحايلوا واستباحوا الصيد، فكان عقابهم أن مسخهم الله قردة وخنازير وجعلهم خاسئين أى مبعدين محتقرين مغضوبا عليهم والمفسرون لهم رأيان فى معنى المسخ، هل هو مسخ مادى أو مسخ معنوى، بمعنى هل تحول الذين اعتدوا إلى قردة وخنازير تحولا حقيقيا، أو تحولت أخلاقهم فكانت مثل أخلاق القردة والخنازير وتحولوا من تكريمهم كآدميين إلى احتقارهم كقردة وخنازير؟ القلة من المفسرين قالوا بالمسخ المعنوى، جاء فى تفسير القرطبى "ج اص ٤٤٣ " أن هذا الرأى مروى عن مجاهد فى تفسير هذه الآية أنه إنما مسخت قلوبهم فقط وردت أفهامهم كأفهام القردة. ولم يقله غيره من المفسرين فيما أعلم.
والأكثرون قالوا بالمسخ المادى. والقائلون به اختلفوا، هل تناسل هؤلاء بعد المسخ أو لم يتناسلوا؟ يقول القرطبى "ج ١ ص ٤٤٠":
اختلف العلماء فى الممسوخ هل ينسل على قولين، قال الزجاج: قال قوم يجوز أن تكون هذه القردة منهم، واختاره القاضى أبو بكر بن العربى، وقال الجمهور: الممسوخ لا ينسل -بضم السين وكسرها- وأن القردة والخنازير وغيرهما كانت قبل ذلك، والذين مسخهم الله قد هلكوا ولم يبق لهم نسل، لأنه قد أصابهم السخط والعذاب، فلم يكن لهم قرار فى الدنيا بعد ثلاثة أيام.
قال ابن عباس: لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل. قال ابن عطية: وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، وثبت أن الممسوخ لا ينسل ولا يأكل ولا يشرب ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام.
يقول القرطبى: هذا هو الصحيح من القولين.
واستدل القائلون ببقاء الممسوخين وتناسلهم بما رواه مسلم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"فُقدت أمة من بنى إسرائيل لا يدرى ما فعلت، ولا أراها إلا الفأر، ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه، وإذا وضع لها ألبان الشاة شربته " وبما رواه مسلم أيضا عن أبى سعيد وجابر أن النبى صلى الله عليه وسلم جىء إليه بضب فأبى أن يأكل منه وقال "لا أدرى لعله من القرون التى مُسخت " ورد الجمهور ذلك بأن كلام الرسول كان ظنا وحدسا واحتياطا قبل أن يوحى إليه أن الله لم يجعل للمسخ نسلا، فلما أوحى إليه بذلك زال عنه ذلك التخوف وعلم أن الضب والفأر ليسا مما مسخ. كما استدل الأولون بما روى من أن قِرْدَة فى الجاهلية زنت فاجتمع عليها قِرَدَة ورجموها، واشترك معها رجل فى رجمها، ورد الجمهور بأن هذه الرواية ليست فى صحيح البخارى بل فى تاريخه، ودسها البعض على الصحيح، وراويها مما لا يحتج به، ولو صح الخبر لكانوا من الجن لأنهم كالإنس مكلفون، ولا تكليف على البهائم حتى يقام عليها حد الزنا "الكلام على رد هذه الرواية مفصل فى تفسير القرطبى ج اص ٤٤٢ ".
أما دليل الجمهور على رأيهم فهو ما رواه مسلم فى كتاب "القدر" أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن القردة والخنازير: هل هى مما مسخ؟ فقال "إن الله لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك " وهو نص صريح صحيح رواه عبد الله بن مسعود وأخرجه مسلم وثبتت النصوص بأكل الضب بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم وعلى مائدته ولم ينكر. فدل ذلك على صحة ما اختاره القرطبى من القولين، وهو أن المسخ لا ينسل.
هذا فى مسخ المعتدين من اليهود قردة وخنازير على الحقيقة، أما مسخ الأخلاق والمكانة فهى محل اتفاق. وإن كان ذلك لمن اعتدوا فى السبت فهل هو لغيرهم أيضا؟ يرجع فى الإجابة على ذلك إلى النصوص ووقائع التاريخ فى القديم والحديث