للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطف الأطفال والاناث محرم شرعا]

المفتي

جاد الحق على جاد الحق.

جمادى الآخرة ١٣٩٩ هجرية - ١٤ مايو ١٩٧٩ م

المبادئ

١ - من مقاصد التشريع الإسلامى ما سماه الفقهاء بالضروريات الخمس حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل.

وقد شرعت العقوبات لحفظها.

٢ - العقوبات فى الحدود مقدرة بالشرع أما عقوبات التعازير فمتروكة للامام وقد تصل إلى القتل سياسة متى رأى الإمام ذلك

السؤال

بالكتاب المؤرخ ١٤/٤/١٩٧٩ عما إذا كان أحكام الشريعة لإسلامية تجيز فرض عقوبة الإعدام على جرائم خطف الأطفال وخطف الإناث للاعتداء على عرضهن

الجواب

إن من مقاصد التشريع الإسلامى ما سماه الفقهاء بالضروريات الخمس وقد جرت عبارتهم بأنها حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ العقل - وقالوا إنه بالاستقراء وجد أن هذه الضروريات الخمس مراعاة فى كل ملة.

وفى سبيل حفظ هذه الضروريات شرعت العقوبات وهى كما جاءت فى استنباط الفقهاء من مصادر الشريعة تتنوع إلى ما يأتى: أولا - الحدود والحد هو العقوبة المقدرة بنص الشارع، وهى حق الله تعالى لا تقبل العفو عنها - والمقصود من عقوبات الحدود المصلحة العامة للمجتمع.

ثانيا - جرائم الجناية على النفس وما دون النفس وما يتبعها من الدية والأرش.

ثالثا - جرائم العازير وهى التى جرت الشريعة على عدم تحديد عقوبة كل جريمة منها مكتفية بتقرير أنواع من العقوبات لهذه الجرائم، وقد تبلغ أقصى عقوبة الحدود وهى القتل.

فمعيار العقوبة فى جرائم العزيز مرن غير ثابت عكس الحدود فإنها ثابته.

وإذا كانت الجرائم المسئول عنها لا تدخل فى نطاق الحدود بمعناها الشرعى، كما لا تندرج تحت عقوبات الاعتداء على النفس ومادون النفس فهل تدخل فى نطاق التعزير وإذا انطوت تحت هذا العنوان فما عقوبتها التى يشير إليها فقه الشريعة من المناسب قبل الإجابة على هذا النظر فى أقوال فقهاء المذاهب فى أمثال هذه الجرائم.

يقرر فقهاء الحنفية عقوبة القتل سياسة فى الجرائم التى تمس أمن المجتمع وتهدد مصالح النسا، سيما إذا وقعت من معتاد الإجرام فقالوا إن السارق إذا تكرر منه فعل السرقة قتل سياسة - والجاسوس الذى ينقل أسرار الدولة للأعداء يقتل سياسة، وذلك لسعيه بالفساد فى الأرض.

جاء فى شرح فتح القدير للكمال بن الهمام ص ٢٧٥ ج - ٤ تعليقا على عبارة صاحب الهداية (لأنه صار ساعيا فى الأرض بالفساد) وكل من كان كذلك فيدفع شره بالقتل.

فجعلوا كل جرم ترتب عليه الإضرار بأمن الناس وأمانهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم إفساد فى الأرض، فإذا لم يصادفه عقوبة حد مقرر جاز عقابه بالقتل سياسة وتعزيرا، لأن فى مثل هذه العقوبة الحازمة ردعا للغير وزجرا عن سلوك هذا الطريق - (الهداية وفتح القدير ج - ٤ ص ٢٧٤ و ٢٧٥ والدر المختار - وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج - ٣ ص ٢٠٣ و ٢٠٤ فى كتاب الحدود فى باب التعزيز ص ٢٤٤ وما بعدها ومجمع الأنهر ج - ١ ص ٦١٧ فى فصل التعزير وص ٦٣٩ فى آخر باب قطع الطريق.

واتفق فقهاء المالكية على أن أقل عقوبة التعزيز غير مقدرة - واختلفوا فى أقصاها، والمشهور عن مالك أنه يجيز التعزير بما فوق الحد، وأن هذه العقوبة بحسب الجناية والجانى والمجنى عليه - وأجاز المالكية قتل الجاسوس المسلم إذا كان يتجسس للعدو، وقتل المفسدين فى الأرض كالقدرية وأشباههم (الفروق للقرافى ج - ٤ ص ١٧٧ - ١٨٣ وتهذيب الفروق على هامشه ص ٢٠٤ - ٢٠٩ وتبصرة الحكام لابن فرحون ج - ٢ ص ٣٠٢ على هامش فتاوى عليش) .

وذهب بعض فقهاء الشافعية إلى جواز قتل صاحب البدعة المخالف للكتاب والسنة، والقتل فى الواط للفاعل والمفعول به قتلا بالسيف - كما قالوا إن قطع الكريق كما يكون فى الصحراء أو الخلاء يكون فى المصر، وأنه إذا الإمام بقوم يخيفون الطريق ولم يأخذوا مالا ولا قتلوا نفسا عزرهم وجوبا، وأشاف الشافعية فى أحكام الصيال أن ضمان الولاة دفع كل صائل على نفس أو طرف أو منفعة أو بضع (عرض) أو مال ومقتضى دفع الصائل قتله.

(المهذب للشيرازى ج - ٢ ص ٢٨٦ وتحفة المحتاج وحواشيها فى التعزيز ودفع الصائل ج - ٩ والحكام السلطانية للماوردى ص ص٢١٢ و ٢١٣) وفى كتاب قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام الشافعى ج - ٢ ص ٨٣ الدفع وهو أنواع.

أحدها القتل والقطع والجرح لدفع ضرر الصيال على الأرواح والأبضاع والأموال - إلى أن قال الخامس إتلاف لدفع المعصية كقتال الظلمة دفعا لظلمهم وعصيانهم، وكذلك تخريب ديارهم وقطع أشجارهم وقتل جوابهم إذا لم يكمن دفعهم إلا بذلك.

ويستفاد من عبارة العز بن عبد السلام أن الإتلاف أى القتل لدفع المعصية من حق ولى الأمر، لأن قتال الظلمة يقتضى قتلهم.

وذهب بعض فقهاء المذهب الحنبلى إلى جواز التعزير بقتل الجاسوس وقتل المبتدع فى الدين، وكل من لم يندفع فساده إلا بالقتل ومن تكرر منه الفساد ولم تردعه الحدود - وقالوا إن قطع الطريق كما يكون فى الصحراء يكون فى المصر لتناول الآية يعمومها كل محارب، ولأن ذلك إذا وجد فى المصر كان أعظم خوفا وأكثر ضررا فكان بذلك أولى وأضافوا أن المفسد فى الإرض كالصائل إذا لم يندفع إلا بالقتل قتل وقد جاء فى كتبا السياسة الشرعية لابن تيمية ص ١٣٥ فى التعزير ما ملخصه أنه قد حكى عن مالك وغيره أن من الجرائم ما يبلغ به القتل ووافقه بعض أصحاب أحمد، وكذلك أبو حنيفة يعزر بالقتل فيما تكرر من الجرائم إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرر منه التولط أو اغتيال النفوس لأخذ المال ونحو ذلك.

وفى رسالة الحسبة لابن تيمية ص ٥٨ فى فصل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (ومن لم يندفع فساده فى الأرض إلا بالقتل قتل.

مثل المفرق لجماعة المسلمين والداعى إلى البدع فى الدين قال تعالى {من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} المائدة ٣٢، وجاء فى المحلى لابن حزم فى المسألة رقم ٢٣٠٥ ص ٤٠١ ج - ١١ فى التعزير أن الناس اختلفوا فى مقداره، وأن مالكا وأبا يوسف فى أحد أقواله وأبا ثور والطحاوى من الحنفية قالوا إن للإمام أنيبلغ بالتعزير ما يراه وأن يجاوز به الحدود بالغا ما بلغ.

وقال ابن جرير الطبرى فى تفسيره ج - ٦ ص ١٣٦ بعد بيان الأقوال فى تفسير آية {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} وأولى هذه الأقوال عندى بالصواب قول من قال المحارب لله ورسوله من حارب فى سابلة المسلمين وذمتهم والمغير عليهم فى أمصارهم وقراهم حرابة وأما قوله {ويسعون فى الأرض فسادا} فإنه يعنى ويعملون فى أرض الله بالمعاصى من إخافة سبل عباده المؤمنين به، أو سبل ذمتهم وقطع طرقهم وأخذ أموالهم ظلما وعدوانا والتوثب على حرمهم فجورا وفسوقا.

ونخلص من هذا العرض إلى أن القتل تعزيرا يجيزه فقهاء مذهب أبى حنيفة سياسة، وأنه مشروع فى الجرائم التى لا يمكن فيها دفع شر الجانى سيما إذا كان معتادا.

وأيضا الجرائم التى تعتبر إفسادا للمجتمع وتكرر من المقترف لها الإفساد، وقد وافق على هذا الرأى من الحنابلة ابن عقيل وابن تيمية وابن القيم.

ومبدأ القتل تعزيزا مسلم به فى الفقه المالكى، كما جاء فى قتل الجاسوس والمفسد فى الأرض، وجرى بذلك قول بعض الشافعية سيما فى أحكام دفع الصائل.

ولعل فى قول عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من فجور، ما يشير إلى ضرورة الأخذ بقول جمهور فقهاء المذاهب على نحو ما سبق بيانه من جواز القتل تعزيزا سياسة سيما هؤلاء المجرمين الذين يثبت احترافهم للقتل والسطو على الناس فى الشوارع والسيارات والقطارات بل وفى المنازل، وهؤلاء الذين يخطفون الأطفال والإناث متى ثبت عليهم هذا الجرم يجوز عقابهم بالقتل، باعتبارهم خطرا على الجتمع ولا يرجى صلاحهم، وباعتبار أن فعلهم مناف لمقاصد الشريعة التى تدعو لحفظ النفس والدين والعرض، وفى أقوال ابن جرير الطبرى سالفة الذكر فى تفسير آية الحرابة تأييد واضح لأقوال الفقهاء الذين أجازوا عقوبة القتل تعزيزا وسياسة.

هذا ولما كانت الجرائم المسئول عنها تمس أمن المجتمع وسلامته إذ فيها ما يهز الأمن، وفيها ترويع الأطفال والنساء والاعتداء على الأعراض التى صانها الإسلام، بل إنه حرم مجرد النظر إلى النساء الأجنبيات.

وفيها إشاعة الفوضى والاضطراب فى البلاد، وإضاعة الثقة فى قدرة الحكام على ضمان الأمن العام، فإن المجرمين الذين اعتادوا الإجرام ولا يرجى منهم التوبة، والإقلاع عن القتل والخطف والرقة والزنا، كل هؤلاء يجوز أن تشرع لهم عقوبة القتل سياسة، على أن توضع اضوابط الكفيلبة بالتطبيق العادل حماية للإنسان الذى حرم الله قتله إلا بحق، فلا يؤخذ فى مثل هذه العقوبة بالظنة والشبهة، بحيث يكون ملحوظا فى التشريع الحيطة فى الإثبات سيما إذا لم يتم القبض على الجانى متلبسا بجرمه.

والله سبحانه وتعالى أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>