صلاة الجنازة فرض كفاية على كل من مات مسلما حتى لو كان عاصيا، ولا تجوز على الكافر ولا على المرتد، ومن الردة استحلال ما حرمه الله تحريما قاطعا، والانتحار محرم قطعا، بالقرآن والسنة، قال تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء: ٢٩، وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح أن من قتل نفسه بحديدة أو سمٍّ أو إلقاء من مكان عال فهو يعذب فى النار خالدا فيها أبدا على الطريقة التى قتل بها نفسه.
وإذا علمنا من المنتحر بكلامه أو بورقة مكتوبة بخطه مثلا أنه يستحل الانتحار كان مرتدا، ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين.
وإن لم نعلم فنحمل أمره على الظاهر وهو الإسلام، ونصلى عليه وندفنه فى مقابر المسلين.
والحديث المذكور محمول على من استحل الانتحار، فهو مخلد فى النار، أو محمول على التغليظ والتنفير كما جاء فيمن قتل مؤمنا متعمدا {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاب عظيما} النساء: ٩٣، ومما يدل على أن المنتحر الذى لم يستحل الانتحار مؤمن وإن كان عاصيا ما رواه مسلم أن رجلا هاجر إلى المدينة فمرض لعدم ملاءمة جوها له فجزع فقطع مفاصل أصابعه فسال دمه بقوة ومات، فراه الطفيل الدوسى فى المنام فى هيئة حسنة مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ قال: غفر لى بهجرتى إلى نبيه، فقال: ما لى أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لى لن نصلح منك ما أفسدت، فقصَّ الرؤيا على الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا له وقال " اللهم وَلِيَدَيْه فاغفر ".
يقول النووى فى التعليق على هذا الحديث: فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار، بل هو فى حكم المشيئة، أى فى حكم قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: ٤٨.
يؤخذ من هذا أن المنتحر الذى لم يعلم استحلاله للانتحار مؤمن، فيصلى عليه صلاة الجنازة.
لكن ورد نص يمنع الصلاة عليه، ففى مسلم عن جابر بن سمرة قال:
أُتِىَ النبى صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص - سهام عريضة -فلم يصل عليه، قال العلماء: هذا الحديث محمول على التنفير من الانتحار، كعدم صلاته الجنازة على من عليه دين، وقد صلت الصحابة على المدين بأمر النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك للتنفير من الدين وليس لأنه كافر، وتكره عند مالك الصلاة على المرجوم بحد، والفساق، وذلك زجرًا لهم " صحيح مسلم -شرح النووى ج ٧ ص ٤٧ "