[مفهوم المخالفة]
المفتي
حسونة النواوى.
٢٥ جمادى الآخر ١٣١٤ هجرية
المبادئ
يؤخذ بمفهوم المخالفة فى الأدلة وكلام الناس وأقول الواقفين لأن تخصيص الشىء بالذكر يدل على نفى ما عداه فى كلام الناس ولا يؤخذ به فى خطابات الشارع
السؤال
بإفادة من نظارة الحقانية مؤرخه ١٣ جماد آخر سنة ١٣١٤ مضمونها أن قاضى ثغر اسكندرية بعث لها مكاتبة تتضمن حصول خلاف بين مستحقى وقف من يدعى الشيخ حسين القاضى المشمول الآن بنظارة سعادة مدير عموم الأوقاف واشتباه حضرته فيما أفتى به مفتى ثغر اسكندرية فى هذا المقام.
وطلب عرض ذلك على فضيلتكم للإفادة بما يقتضيه الحكم الشرعى بأمل النظر فى ذلك وإفادة النظارة بما يتم.
ومضمون كتاب الوقف المذكور أن المواقف وقف وقفه على نفسه أيام حياته ثم من بعده بعضه وهو القهوة التى عينها على ولده محمد القاضى خاصة دون باقى ورثيه، وباقيه وهو الأماكن التى عينها على باقى ورثته وولده محمد القاضى المذكور، ثم على أولاد ولده المرحوم الحاج عبد القادر بالفريضة بينهم ومن سيحدثه الله للواقف من الذكور والإناث بالفريضة بينهم أولاد الظهور أولاد البطون، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم، ثم على أولاد أولادهم ذكورا وإناثا بالفريضة بينهم الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى، إلا أن من مات منهم وترك ولدا أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه إليه، فإن لم يترك ولدا ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك انتقل نصيبه لمن هو فى درجته وذوى طبقته.
فإن لم يكن فى درجته أحد فلبقية المستحقين معه فى الوقف المذكور.
ومن مات منهم قبل دخوله فى هذا الوقف واستحقاقه لشىء من منافعه وترك فرعا وارثا قام فرعه مقامه فى الدرجة والاستحقاق كل ذلك مع مراعاة الفريضة الشرعية وحجب الأصل لفرعه، فإذا انقرضت أولاد الظهور كان على أولاد البطون على النص والترتيب المشروحين.
فإذا انقرضت ذرية الظهور وذرية الإناث كان ذلك وقفا على من يوجد من ذرية أخ الواقف المرحوم أحمد بن القاضى عبد القادر على النص والترتيب المشروحين.
فإذا انقرضت ذرية أخيه أحمد المرقوم كان ذلك وقفا على جامع الخطبة الذى أنشأه والد الواقف المذكور بالثغر المرقوم يصرف جميع ذلك على إقامة شعائره، فإن تعذر الصرف له صرف ريع ذلك للفقراء والمساكين القاطنين بالثغر.
ومضمون فتوى مفتى اسكندرية المذكور أن الحكم الشرعى فى عبارة الواقف المذكور أنه حيث كرر لفظ الأولاد ثلاث مرات ينسحب وقفه إلى سائر ذريته ويراعى فيهم ما ذكره من حجب الطبقة العليا للطبقة السفلى ومن إعطاء نصيب من مات عن فرج إلى فرعه وعن غير فرع إلى من فى درجته وقيام فرع من مات قبل الاستحقاق مقام أصله لا فرق فى ذلك كله بين أولاد الظهور وأولاد البطون لأن الواقف لم يقيد الاستحقاق بأولاد الظهور إلا فى أولاد لصلبه.
وهم لا يكونون إلا أولاد ظهر بالنسبة إليه وقد أطلق أولاد أولاده وأولادهم وأولاد أولادهم ولم يقيد استحقاقهم بكونهم من أولاد الظهور وبعد تقييد استحقاقهم بحجب الطبقة العليا للطبقة السفلى استثنى بعد ذلك من مات منهم عن ولد أو عن غير ولد بعد الاستحقاق أو قبله بقوله إلا أن من مات منهم وترك ولدا وقوله ومن مات قبل دخوله فى هذا الوقف قام فرعه مقامه.
وهذا الاستثناء متأخر فيجب العمل به لعمومه لأن لفظ من فى قوله من مات منهم يشمل الذكر والأنثى ولفظ الولد أو الفرع الذى تركه يشمل أولاد الظهور.
وأولاد البطون، ولا يمنع من استحقاق أولاد البطون قوله بعد ذلك فإذا انقرضت أولاد الظهور كان ذلك على أولاد البطون لأن هذا يفيد انتقال جميع الوقف لأولاد البطون عند انقراض أولاد الظهور.
وهنا قد أعطى الوقف لمن يوجد من أولاد أولاده وأولادهم على الوجه المذكور سواء كانوا من أولاد الظهور أو من أولاد البطون.
وعلى هذا يكون الواقف قد جعل لاستحقاق أولاد البطون سببين.
أولهما خاص ببعض أولاد البطون وهو موت أحد الذرية عن ولد، وهذا بعمومه يشمل ولد البنت - وثانيهما عام يشمل جميع أولاد البطون وهو فيما إذا انقرضت أولاد الظهور فينتقل جميع الوقف لأولاد البطون.
كما نص على ذلك فى تنقيح الحامدية والفتاوى الخيرية وغيرهما على أنه إذا وجد فى كلام الواقف ما يقتضى الإعطاء والحرمان.
فقد نص علماؤنا رحمهم الله على أن الإعطاء أقرب لغرض الواقفين.
ومضمون إفادة القاضى المذكورة أنه حصل اشتباهه فيما أفتى به المفتى المذكور بما أن المنظور ان غرض الواقف اختصاص أولاد الظهور كما يؤخذ من فحوى عبارته حيث قال فى كتاب وقفه بعد أن ذكر ما ذكره فإذا انقرضت أولاد الظهور كان على أولاد البطون.
فإنه يستفاد منه أن ما ذكر قبله جميعه متعلق بأولاد الظهور وأن لا استحقاق لأولاد البطون إلا بعد انقراض أولاد الظهور المذكورين ولذا كان النظار السابقون جارين على صرفه لأولاد الظهور
الجواب
بالاطلاع على إفادة عطوفتكم، وعلى كتاب وقف المرحوم الشيخ حسين عبد القادر القاضى، وعلى فتوى حضرة مفتى الثغر المرقوم المتعلقة بذلك الوقف وعلى مكاتبة حضرة قاضى المحكمة المذكورة، وعلى باقى الأوراق المرسلة إلينا.
ظهر أن الوقف المذكور يختص بأولاد الظهور ولا ينتقل لأولاد البطون إلا بعد انقراض أولاد الظهور عملا بقول الواقف المتأخر.
فإذا انقرضت أولاد الظهور كان على أولاد البطون.
فإنه أفاد أن استحقاق أولاد البطون مشروط بانقراض أولاد الظهور.
وما قاله فى الخيرية وغيرها من أن المفاهيم لا يجوز الاحتجاج بها فى كلام الناس فى ظاهر الرواية كالأدلة.
ذكر فى رد المحتار ما يخالفه.
حيث قال نقلا عن البيرى إن تخصيص الشىء بالذكر يدل على نفى ما عداه فى متفاهم الناس وفى المعقولات وفى الروايات.
وعن ابن أمير حاج أن تخصيص الشىء بالذكر لا يدل على نفى الحكم عما عداه فى خطابات الشارع.
أما فى متفاهم الناس وعرفهم وفى المعاملات والعقليات يدل.
وفى التحرير وتداوله المتأخرون. ثم قال بعد ذلك فعلم أن المتأخرين على اعتبار المفهوم فى غير النصوص الشرعية.
وحيث كان المفهوم معتبرا فى متفاهم الناس وعرفهم وجب اعتباره فى كلا الواقف أيضا، لأنه يتكلم على عرفه وعن هذا قال العلامة قاسم إلى آخر ما قاله فى هذا المقام، وقال فى شرح منظومة رسم المفتى أن الاحتجاج بالمفهوم يجوز كما نقله البيرى عن السرخسى فى السير الكبير واستظهر العمل عليه، كما اختاره الخصاف وذكر أنه لم ير من خالفه.
وفيه أيضا بعد نقل كلام البيرى أن العمل على الاحتجاج بالمفهوم لكن لا مطلقا بل فى غير كلام الشارع، على أنه قال فيه إن الذى رآه فى السير جواز العمل به حتى فى كلام الشارع، فهذا كله دليل على اعتبار ما أفاده قول الواقف.
فإذا انقرضت أولاد الظهور كان على أولاد البطون، من أن استحقاق أولاد البطون مشروط بانقراض أولاد الظهور كما قلنا.
ولا يمنع من ذلك ما ذكر من عدم جواز الاحتجاج بالمفهوم فى ظاهر الرواية، لأنه حيث ترجح جواز الاحتجاج بالمفهوم بأن عليه العمل فلا مانع حينئذ من تقديمه على ظاهر الرواية كما قولوه فى غير هذا الموضوع.
وأيضا لو كان مراد الواقف أن أولاد البطون يستحقون جميع الوقف عند انقراض أولاد الظهور ويشاركونهم عند عدم انقراضهم لكان ذلك مستفادا من قول الواقف قبل ذلك.
فإن لم يترك ولدا ولا ولد ولد أسفل من ذلك انتقل نصيبه لمن هو فى درجته وذوى طبقته فإن لم يكن فى درجته أحد فلبقية المستحقين معه فى الوقف المذكور ويلغو حينئذ قوله فإذا انقرضت أولاد الظهور إلخ.
لأن قوله فإن لم يترك ولدا إلخ يفيد استقلال من يوجد من المستحقين بجميع الوقف واحدا كان أو متعددا فلو دخل أولاد البطون فيما ذكر لكان حكم استقلالهم بجميع الوقف عند انفرادهم وانقراض أولاد الظهور مستفادا مما ذكر ولا يكون هناك حاجة لقول الواقف فإذا انقرضت أولاد الظهور إلخ.
ولا شك أن إعمال الكلام أولى من إهماله.
ولو كان مراد الواقف ماذكر أيضا لنص على مثله فى أولاد الظهور وقال فإذا انقرضت أولاد البطون كان على أولاد الظهور ويدل على ما قلناه أيضا قول الواقف فإذا انقرضت ذرية الظهور وذرية الإناث كان ذلك وقفا على من يوجد من ذرية أخ الواقف.
ثم قوله فإذا انقرضت ذرية أخيه كان ذلك وقفا على الجامع الذى عينه إلخ.
فإن ذرية أخيه لا تستحق إلا بعد انقراض ذرية الظهور وذرية الإناث وانتقال الوقف للجامع المذكور لا يكون إلا بعد انقراض ذرية أخ الواقف المذكور.
فيكون مثل ذلك قول الواقف فإذا انقرضت أولاد الظهور كان على أولاد البطون ليكون الاستحقاق بالانتقال مرتبا فى كلام الواقف على نمط واحد.
ومن جميع ما ذكر يعلم أن غرض الواقف اختصاص الوقف بأولاد الظهور وأنه لاحظ ذلك فى جميع الطبقات.
وقد نصوا على أن غرض الواقف يخصص - خصوصا إذا ثبت أن عمل النظار على ذلك.
وهذا على حسب ما هو مسطور بكتاب الوقف المذكور.
والله تعالى أعلم