جعل الله لنا رخصة فى قصر الصلاة بسبب السفر، فمتى يتحقق السفر ومتى يجوز القصر؟
الجواب
يقول الله سبحانه:{وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء:
١٠١، تفيد هذه الآية أن السفر يبيح للمسافر أن يصلى الصلاة الرباعية ركعتين، وهذا أمر مجمع عليه، فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون، وكل المسلمين فى جميع العصور.
ومع اختلاف العلماء فيما يتحقق به السفر المبيح للقصر، هل هو أى سفر ولو كان قصيرا أو هو السفر الطويل، وهل هناك تحديد للطول، مع اختلافهم فى ذلك قالوا: متى شرع فى السفر جاز القصر ولو بعد زمن قصير أو مسافة قصيرة جدا من البلد الذى بدأ منه السفر، وقالوا: إن مفارقة البلد تكون بتجاوز مبانيها كلها وتجاوز المرافق الملحقة بها. وهذه المفارقة فيها آراء.
ا - فالشافعية قالوا: لا بد أن يصل إلى محل يُعدُّ فيه مسافرا عرفا، وابتداء السفر لساكن الأبنية يحصل بمجاوزة سور مختص بالمكان الذى سافر منه إذا كان السور صوب الجهة التى يقصدها المسافر، ومثل السور الخندق والقنطرة، فإن لم يوجد سور ولا خندق ولا قنطرة فالعبرة بمجاوزة العمران أى المبانى، ومنها المقابر المتصلة بها، ولو تعددت القرى وهى متصلة فى وحدة محلية واحدة فلا بد من تجاوزها كلها، فإن لم تكن متصلة فالعبرة بمجاوزة القرية التى يسكنها.
هذا، إذا كان السفر برا، أما لو كان بحرا فالسفر يبدأ من أول تحرك السفينة من الميناء، وإذا كانت السفينة تسير محاذية للأبنية فلا يقصر حتى يجاوز الأبنية، ولو كان السفر جوا فلا يقصر حتى تتحرك الطائرة وتجاوز البلد.
٢ - والحنفية قالوا: مثل ذلك فى مجاوزة الأبنية، ولم يشترطوا غيابها عن بصره ما دامت المجاوزة قد تحققت، كما نصوا على مجاوزة المرافق المتصلة بالبلد كالمدافن والملاعب وأمكنة القمامة، فإن كانت هذه المرافق منفصلة بمزرعة أو فضاء قدره أربعمائة ذراع فلا تشترط مجاوزته. ولم يأت فى فقه المذاهب الأربعة عنهم كلام على السفر فى البحر أو غيره.
٣- والمالكية قالوا: لا بد من مجاوزة الأبنية والفضاء الذى حواليها والبساتين المسكونة بأهلها ولو فى بعض العام، بشرط اتصالها بالبلد حقيقة أو حكما بأن كان ساكنوها ينتفعون بأهل البلد. والعِزب المتصلة بالبلد لا بد من مجاوزتها ما دام بين سكانها ارتفاق بأهل البلد، لأنها كبلد واحد.
٤ -والحنابلة قالوا: كلاما قريبا من هذا، وكلها أقوال اجتهادية لا نص فيها، وقد يكون للعرف دخل فى اعتبار السفر قد بدأ أو لم يبدأ. غير أنه روى عن بعض السلف أن من نوى السفر يقصر ولو فى بيته، ولم يوافق أحد من أصحاب المذاهب المشهورة عليه، لأنه ما دام فى بيته كيف يتحقق السفر، والنية ليست سفرا، فقد ينوى الإنسان قبل مغادرة البيت أو البلد بيوم أو ساعات طوال. فالأولى عدم العمل بهذا الرأى