[عمارة الوقف والزيادة فيه عما كان عليه وقت الوقف]
المفتي
أحمد هريدى.
شعبان ١٣٨٥ هجرية - ١٦ ديسمبر ١٩٦٥م
المبادئ
١ - يجوز للناظر تعمير الموقوف من الريع ويخرج بالتعمير عما كان عليه الموقوف بالتحسين أو الزيادة أو الإنشاء متى كان فى ذلك مصلحة للوقف والموقوف عليهم إذا كان الواقف قد شرط له ذلك أو رضى به المستحقون.
٢ - الأرض الموقوفة المستغلة بالزراعة إذا اتصلت بمساكن المدينة ورغب الناس فى استئجار بيوتها وكانت الغلة من ذلك أكثر من غلة الزراعة يجوز للناظر بناء بيوت عليها للاستغلال بالإجارة.
٣ - ما ينشئه الناظر على أرص الوقف من مال الوقف يكون لجهة الوقف وملحا به شرعا وعليه أن يقوم بعمل إشهاد أمام القاضى المختص بهذا الإلحاق
السؤال
من السيد / سعيد أشيته وقف محمد عيسى.
القدس الأردن بالطلب المتضمن أن جده المرحوم محمد عيسى وقف أعيانا مبينة الحدود والمعالم بكتاب وقفه الصادر منه أمام الحاكم الشرعى بالقدس فى أواخر ذى القعدة سنة سبع وعشرين ومائة وألف ١١٢٧ هجرية - وقد أنشأه على نفسه مدة حياته ثم من بعده على أولاده ثم على أولاد أولاده ثم على أولاد أولاد أولاد ثم على نسلهم وعقبهم أولاد الظهور دون أولاد البطون على الوجه المبين بالإشهاد - وشرط الواقف فى وقفه هذا شروطا منها أن يبدأ من ريعه بعمارته ومرمته وما فيه بقاء عينه ونمو غلته وزيادة أجرته ويوجد من أعيان هذا الوقف قطعة أرض فضاء تبلغ مساحتها حوالى خمس دونيمات وأصبحت بحكم اتساع العمران من أراضى المبانى التجارية فى حدود مدينة القدس، ويقتضى نظام الضرائب دفع مبالغ كبيرة على مثل هذه الأراضى كضريبة أملاك للدولة مما قد يؤثر على مصلحة الوقف والمستحقين، وقد سبق أن استأذان المحكمة الشرعية بالقدس فى إجراء إصلاحات وتغيير معالم واستبدال كان لها أثر كبير فى زيادة إيراد الوقف الأمر الذى يمكن معه حجز جزء من الريع لإقامة مبان ومنشآت على هذه الأرض الفضاء تغل ريعها لجهة الوقف المذكور طبقا لتخطيط ومواصفات أعدت لهذا الغرض - ولما كان هذا المشروع يتطلب مبالغ كثيرة قد ترهق المستحقين، فقد وضعت خطة لتحقيقه على فترات وخطوات لا ترهق المستحقين ولا تضيق عليهم.
فهل يجوز طبقا لشروط الواقف، وهى هدى أحكام الشريعة القيام بهذا العمل على الوضع المشار إليه، مع الاحاطة بأنه سيستأذن المحكمة الشرعية المختصة فى هذا العمل
الجواب
جاء فى الجزء الثالث من حاشية رد المحتار على الدر المختار للعلامة ابن عابدين من صفحة ٥٨١ إلى صفحة ٥٨٨ ما ملخصه على أنه يبدأ من ريع الوقف بعمارته ومرمته ولو لم يشرط الواقف ذلك حتى لو استغرقت العمارة جميع الريع، وهذا إذا كانت هناك غلة وقت الحاجة إلى التعمير - وإن لم يكن هناك غلة وكان التعمير ضروريا جاز للناظر أن يستدين ويقوم بالتعمير ويوفى الدين من الغلة بعد العمارة، ويقدم على الدفع للمستحقين، وإنما تحجب العمارة فى الغلة بقدر ما يرجع الموقوف إلى حالته وقت الوقف - ولا يصح للناظر أن يزيد فيه إلا برضاء المستحقين أو بشرط الواقف.
سواء كان على معين ومن بعده للفقراء أم كان على الفقراء ابتداء - وإن شرط الواقف للناظر أن يزيد فى عمارة الموقوف عن الحالة التى كان عليها وقت الوقف.
أو شرط له أن يفعل ما فيه نمو غلته كان له أن يفعل كل ما فيه مصلحة للوقف والموقوف عليه من بتخصيص الدار وفتح الشبابيك فيها وإحداث كل ما يوجب زيادة الأجرة ويوفر الرغبة فى الموقوف - وقال بعضهم لو كان الموقوف عليه غر معين كالفقراء جازت الزيادة فى العمارة بدون شرط من الواقف أو رضاء الموقوف عليهم لتعذر أخذ رضائهم بسبب عدم تعيينهم - والقول الأول أصح والأرض والبساتين مثل الدار الموقوفة للاستغلال فى حكم التعمير.
وجاء فى الإسعاد فى أحكام الأوقاف للعلامة الطرابلسى صفحة ٥٨ ما نصه وليس لمتولى الوقف أن يبنى فى الأرض الموقوفة بيوتا لتستغل بالإجارة لأن استغلال الأرض بالزراعة فإن كانت متصلة ببيوت المصر وترغب الناس فى استئجار بيوتها وكانت الغلة من البيوت فوق غلة الزراعة جاز له حينئذ البناء ولكون الاستغلال بهذا أنفع للفقراء - وظاهر من هذه النصوص أنه يجوز لناظر الوقف أن يعمر الموقوف من الريع الذى تحت يده، ويخرج بالتعمير عما كان عليه الموقوف وقت الوقف عليهم متى شرط لواقف له ذلك أو رضى به المستحقون، وأنه يجوز للناظر إذا كانت هناك أرض موقوفة تستغل بالزراعة وكانت متصلة بمساكن المدينة ويرغب الناس فى استئجار بيوتها وكانت الغلة من ذلك أكثر من غلة زراعتها يجوز للناظر فى هذه الحالة أن يبنى على تلك الأرض بيوتا لتستغل بالإجارة، لأن الاستغلال بهذا أنفع للموقوف عليهم - وفى حادثة السؤال، يقول ناظر الوقف الطالب ان الوقف قطعة أرض مساحتها خمس دونمات اتصلت بمدينة القدس ولا يمكن استغلالها بالزراعة.
ويقضى نظام الضرائب بدفع مبالغ كبيرة على هذه الأرض كضريبة أملاك للدولة مما يستنفد جزءا كبيرا من ريع باقى الموقوف، وبالتالى يؤثر على مصلحة الوقف والمستحقين ويمكن حجز جزء من الربع لإقامة مبان ومنشآت على هذه الأرض الفضاء تغل ريعا لجهة الوقف وتعود بالخير على المستحقين فيه، وهو مشروع يتكلف مبالغ كبيرة وقد وضعت خطة لتنفيذ بعد استئذان المحكمة الشرعية فيه على خطوات بحيث لا ترهق المستحقين ولا تضيق عليهم - وتبين من الاطلاع على صورة شمسية من حجة الوقف عرضها الطالب أن الواقف شرط أن يبدأ من ريع الوقف بعمارته ومرمته وما فيه بقاء عينه ونمو غلته وزيادة أجرته - وهذا الشرط صريح فى إذن الناظر بالزيادة فى العمارة إلى الحد الذى ينمى الغلة ويزيد الأجرة.
ولا يتقيد بإبقاء الموقوف على ما كان عليه وقت الوقف - على أن نص الاسعاف صريح فى أنه يجوز للناظر أن يستغل الأرض الزراعية المستغلة فعلا بالزراعة إذا اتصلت ببيوت المصر وكان الاستغلال بانشاء المبانى وإجارتها أنفع لموقوف عليهم من الاستغلال بالزراعة.
هذا النص صريح فى أنه يجوز للناظر حينئذ أن يقيم بيوتا على هذه الأرض ويستغلها بالأجرة - وفى حادثتنا هذه أرض الوقف اتصلت ببيوت المصر وهى معطلة لا تستغل مطلقا.
وفوق هذا مضروب عليها من الضرائب للدولة ما يستنفد جزءا كبيرا من ريع باقى الموقوف الأمر الذى فى بقائه واستمراره ضرر بالوقف والمستحقين.
فيجوز للناظر والحالة هذه أن ينشئ المبانى والمنشآت التى يشير إليها بجزء يحجزه من ريع الوقف لا يؤثر على المستحقين.
وبصورة ليس فيها إرهاق لهم ولا تضيق عليهم - وما ينشئه الناظر على أرض الوقف من مال الوقف يكون لجهة الوقف وملحقا به شرعا، وعليه أن يقوم بعمل إشهاد أمام القاضى المختص بالحاق ما ينشئه بجهة الوقف - ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم